يشعر القطاع الخاص بأكمله، ولا سيما مؤسساته الوسيطة مثل غرف التجارة، بقلق بالغ إزاء العواقب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للجائحة.
إنها لصدمة كبيرة وغير متوقعة ومأساوية للحياة العامة والصحة والرفاه الاجتماعي والنشاط الاقتصادي في جميع أنحاء العالم، ولكن بشكل خاص في دول البحر الأبيض المتوسط.
لا يمكننا التكهن بعودة الامور كسابقه، فقد اخترقت هذه الجائحة حياتنا في جميع انحاء العالم، والمساس بالأرواح البشرية، ناهيك عن ما فعلته بالمنظمات، سواء كانت عامة أو خاصة، فإن النتائج ستكون دائمة ويجب التعامل معها برؤيء مختلفة في جميع العالم بعد ذلك.
فعلى مستوى الاقتصاد الكلى، من الواضح إصابة العولمة بتهكات بالغة، ومع ذلك سيتم تأسيس النسبية وستقوم الجهات الفاعلة بمراجعة أولوياتها في ضوء زعزعة الاستقرار الاقتصادي التي نشهدها حاليًا على نطاق عالمي.
وستفرض السيادة الاقتصادية على الدول، ولا سيما على ما يسمى بالصناعات الحساسة، فلقد دفع الاعتماد على الصين جميع الدول إلى التساؤل حول إعادة دمج بعض الصناعات على أراضيها، أو على الأقل الحد من هذا الاعتماد، فالاقتصاد بدوره منهجي، ولذلك فقد تأثرت جميع قطاعات النشاط في نفس الوقت كما لم يحدث من قبل.
ولعدة قرون، كانت غرف التجارة محركًا أساسيًا لتنمية الملايين من الشركات وعملت مع الحكومات والمؤسسات لإيجاد حلول للتحديات المحلية والإقليمية والعالمية ودعم القطاع الخاص، وقد تم التشكيك في وجودية غرف التجارة والصناعة في السنوات الأخيرة، حتى في العديد من البلدان، تم تقليص دورها، متناسين أهميتها في التنمية الاقتصادية وتعزيز الروابط الدولية والتدريب والترويج الإقليمي.
تشجع الغرف على فتح التجارة والاستثمار الدوليين، وكذلك اقتصاد السوق، فبسبب طبيعتها الدولية وفوق القطاعية، تخاطب السلطة التي تنبع من الشركات من جميع القطاعات ومن جميع مناطق العالم، فهي جهات فاعلة ضرورية تلعب دور رئيسي كمؤسسات مسؤولة عن تعزيز النشاط الاقتصادي وتعزيز التعاون بين الشركات.
وتعمل الشركات اليوم في بيئة تجارية جديدة تتسم بالتقلب السريع والتكنولوجية، حيث الابتكار والتكيف اضحا ضروريان، فيتسم هيكل الشركة والقوى العاملة والمنتجات والعملاء بالتغير المستمر ودومًا هناك حاجة إلى حلول جديدة.
فمن ناحية أخرى، يجب أن تكون الغرف قادرة على المساعدة، والاستفادة من الفرص وتوحيد أوجه التآزر التي تساهم في التنمية والازدهار الاقتصادي.
ما هي أسباب أهمية الغرف التجارية اليوم؟ لأنهم مدربون ويخضعون للقيادة الفطنة لرجال الأعمال.
وهم الذين لديهم معرفة واسعة بالاحتياجات الحقيقية، وذلك بسبب طبيعتهم الدولية وفوق القطاعية، فهم يتمتعون بمخاطبة السلطة المنبثقة من الشركات من جميع القطاعات وجميع مناطق العالم.
وعلى صعيد أخر، هم الأطراف الرئيسيون كمؤسسات مسؤولة عن تعزيز النشاط الاقتصادي وتعزيز التعاون والاستثمار من قبل الشركات، مما يجعلهم الوكلاء الأهم للتماسك والسلام، ومع ذلك، فهم بحاجة إلى مشاركة جميع الجهات الفاعلة في المجتمع والسلطات العامة.
وبالتالي، فإن الغرف تغطي كامل المنطقة، وتعرف احتياجات الشركات، وتعمل كوسيط مع الإدارات، وهي منظمة في تجمعات يمكن تنسيقها لتعزيز مصالح مناطق شاسعة في أرجاء المعمورة، كما أن لديها اتصال وثيق مع كافة كيانات الاعمال، فهم بمثابة شركات مفيدة في عالم يبحر فى شواطئ العولمة.
والغرف التجارية، بالتعاون مع المنظمات فوق الوطنية، هي بمثابة أذرع رئيسية للتنسيق الناجح للأنشطة التجارية والصناعية بين الشمال والجنوب وتعزيز ثلاثة مستويات من التعاون: التعاون في مجال المساعدة الإنمائية، والتعاون التجاري من خلال المعارض والبعثات، والتعاون الإقليمي كمحاورين للمنظمات المتعددة الأطراف.
ويتمثل التحدي في الاستمرارية في كونها معيارًا لعالم الأعمال الوطني والإقليمي والدولي، مع تحقيق امتيازات إضافية متمثلة في تقديم خدمات عالية الجودة والتمثيل أمام المؤسسات العامة.
وبذلك، فإن دورها في تحقيق الانفتاح التجاري في مناطق معينة من العالم يكون في بعض الأحيان أكثر فائدة من البراعة الدبلوماسية نفسها.
والتجارة هى الشراع الأقوى في سفينة السلام والازدهار، والغرف هي أفضل حلقة وصل لممارسة الأعمال التجارية، فهى تلعب دورًا حاسمًا في هذا الصدد. ومع ذلك، هناك حاجة إلى نهج جديد لمواجهة التحديات الجديدة.
ويجب أن يركز كلاً من غرف التجارة والصناعة والقطاع الخاص على تحديات الوضع الحالي والتطورات المتعلقة بجائحة COVID19- وآثارها على قطاع الأعمال والاقتصاد. ومن ثم مراجعة الجهود على جميع المستويات لدعم استمرارية
وقد وحدا القطاعان العام والخاص جهودهما لإدارة الأزمة، ولا سيما للمثابرة في حماية صحة وسلامة المواطنين وضمان استمرارية العمل، هذا و بالإضافة إلى مكافحة انتشار فيروس COVID-19 ، يحتاج القطاع الخاص إلى حزم التحفيز التي بدأتها الحكومة لدعم الاقتصاد والمنظمات، بالإضافة إلى تدابير لفتح الشركات جزئيًا وضمان الاستقرار الاقتصادي، الأعمال وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
ومن ناحية أخرى، يحتاج القطاع الخاص للمزيد من التحفيز من خلال المبادرات من جانب الحكومات لدعم الاقتصاد والمؤسسات، فضلاً عن اتخاذ تدابير للشركات مفتوحة جزئيا، وتوفير الاستقرار الاقتصادي.
لم تكن جميع الشركات، بما في ذلك الشركات الناشئة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم، قادرة على التحول إلى المنتجات والخدمات الرقمية بين عشية وضحاها لمواجهة هذا التحدي، ويجب على الغرف التجارية والصناعية إطلاق مبادرات دعم لمساعدة الشركات الجديدة بهدف الحفاظ عليها وتطويرها مع مواجهة التحديات الاستثنائية في السوق.
وابتكار ورش عمل تدريبية افتراضية عملية لمشاركة النصائح والأفكار حول كيفية قيام رواد الأعمال ببناء و تطوير تواجدهم عبر الانترنت في أقل وقت ممكن.
ونوع أخر من الدعم الذي يشكل فارقا وهو المقدم لرواد الأعمال في مجال التكنولوجيا الذين يرغبون في تطوير مكانة المنطقة كمركز عالمي للابتكار، فطرح برنامج التدريب هو أول نموذج مبتكر من هذا النوع من الدعم والذى يأخذ في الاعتبار الظروف الاستثنائية التي نجد أنفسنا فيها وكيفية تحسين قدرات ومهارات رجال الأعمال والشركات الجديدة حتى يتمكنوا من الحفاظ على أنفسهم و الحفاظ ايضا على التطور في ظل هذه الظروف.
ومنذ زمن ليس ببعيد يمثل التدويل والعولمة تحديات جديدة، ولكن إضفاء الطابع الإقليمي على القطاعات التي تستفيد من القرب الجغرافي والتكامل الاقتصادي من ضمن هذه التحديات أيضًا، ففي بيئة الأعمال المتطورة، توفر الغرف القواعد والمبادئ التوجيهية والرموز الطوعية المصممة لتسهيل التدفقات، وتحقيق التوازن بين المعاملات عبر الحدود ومساعدة الحكومات على إدارة التطورات العالمية بشكل تعاوني.
فلا يجب على الغرف حماية مصالح أعضائها فقط، ولكن يجب أيضًا أن تاخذ على عاتقها مسؤولية إفادة الاقتصاد الوطني والعالمي ككل وبالتالي تعزيز أهداف التنمية المستدامة.
فهي تساهم في ضمان السلام والازدهار العالميين من خلال تعزيز نظام تجاري دولي أكثر انفتاحًا وشمولًا وإنشاء آلية مستدامة لقياس وتقييم احتياجات وتطلعات وتحديات الشركات في بيئتها.
إن السمات الغالبة في تمثيل جميع قطاعات النشاط على المستوى العالمي عبر غرفة التجارة الدولية، أو على المستوى الإقليمي، تأتي من المنظمة المعينة في شكل شبكة متضامة من غرف التجارة، خاصة في أوروبا، في البحر الأبيض المتوسط، وفي أمريكا اللاتينية، وفي أفريقيا وفي آسيا والمحيط الهادئ.
وفي هذا السياق إن الاتحادات الإقليمية لغرف التجارة، مثل ASCAME أو AICO أو Eurochambre، من بين آخرين، تجمع بين كيانات من مستويات مختلفة.
تتقاسم غرف التجارة حول العالم أهداف مشتركة، مثل تسهيل التجارة، وإزالة الحواجز القائمة، وتعزيز التنمية الاقتصادية وتحسين بيئة الأعمال، وقد تطورت هذه الأهداف إلى شراكة استراتيجية تهدف إلى تسهيل تمويل التجارة.
وعلى مر السنين ، طورت الغرف آلياتها على نطاق أوسع لتلبية الاحتياجات المتنامية والمتغيرة بسرعة في عالم الأعمال، فسعت لتقديم خدمات لتسهيل التجارة والتدريب والدعم في استكشاف الأسواق الدولية، ولكن يتحتم عليها دائمًا السعي إلى تزويد أعضائها بالأدوات والمعرفة التي يحتاجونها للنمو والتطورعلى الصعيدين المحلي والعالمي، لتطوير حلول وخدمات أعمال ذكية ومبتكرة، واعتماد استراتيجيات تطلعية في إطارات تحسين القدرة التنافسية.
إن إعادة بناء منظومة غرفية رشيقة الإيقاع على نحو متزايد، والعمل عن بعد، والعمل التعاوني، والذكاء الجماعي، حيث يقوم الحكم الذاتي على الثقة والمسؤولية، سيكون تحديًا كبيرًا، ولا سيما ينفرد بمكونات ثقافة وقيادة مؤسسية ذات مصداقية مع التفكير الاستراتيجي، فليست كل الدول قادرة على الإبحار في مثل هذه الأوقات العاصفة.
واضحى تكامل هدف المسؤولية الاجتماعية ضرورة حتمية للأداء المستدام، فقد ساعدت السياسات العامة في الحفاظ على التدفق النقدي للشركات وموارد العاملون بها، وقدر مكان ذلك من الضروري، ولكنه لم يكن بالقدر الكافي، يجب علينا الآن اتخاذ تدابير تحفيزية اكثر قوة.
تعد الرقمنة والتجارة الإلكترونية والابتكار والبحث والتطوير هم روافع النمو الرئيسية التي يجب تفعيلها من أجل التفاوض بشكل أفضل على المنعطف الحاد الذي تتخذه التجارة الدولية، وعلى أي حال، فإن توصيات الغرف ينبغي أن تجعل من الممكن حل المشاكل اللوجستية التي يواجهها المصدرون خلال فترة الجائحة والتفكير في ما بعد الأزمة.
وفي مواجهة اضطراب التجارة الدولية ونشاط العديد من خطوط الإنتاج في منطقة البحر الأبيض المتوسط وفي العالم، يواجه المصدرون المتوسطيون وفى كل العالم وضعا غير مسبوق ونتائج مقلقة.
فقد اهتزت جميع سلاسل الإمدادات الجوية والبرية والبحرية بسبب انتشار فيروس كورونا المستجد، وأيضًا التدابير التي اتخذتها الحكومات لمكافحة الجائحة، على مستوى رجال الصناعة والمصدرين، يؤدي هذا إلى نقص وإغلاق خطوط الإنتاج بسبب نقص المدخلات ، والعقود المعلقة ، وعدم كفاية المدفوعات ، إلخ.
تحتاج الشركات إلى وضع خرائط طريق حقيقية تتضمن تدابير الصحة والسلامة الجديدة، بل وأساليب عمل و خدمات لوجيستية جديدة، بالإضافة إلى ذلك، يتحتم عليهم اليقظة أثناء المعاملات الدولية بسبب إفلاس بعض العملاء وزيادة المخاطر.
وعلى صعيد أخر، يجب عليهم تطوير قدرات معينة على سهولة التحرك والتخطيط في مواجهة المتغيرات وأن يكون لديهم نموذج أعمال مرن ليتمكنوا من تغيير المنتجات والتجديد في استهداف الأسواق وتنويع مصادر التوريد.
وفيما يتعلق برافعات النجاح، يجب على المصدرين الاستثمار في التجارة الرقمية والإلكترونية لفترة ما بعد الأزمة، فيجب بذل الجهود لترويج المنتجات المصنوعة في المنطقة وجعلها قادرة على المنافسة على الصعيد الدولي، فضلاً عن تأمين وتعزيز سلاسل الإنتاج قدر الإمكان وتقليل اعتمادها على الخارج.
وفي عالم ما بعد COVID-19، من الضروري أن يكون للنمو صوت في فضاء التجارة الدولية ليعكس المصالح الوطنية و الإقليمية، فمن خلال العمل المشترك وتقاسم المعرفة واستخدام الخبرة المشتركة، يمكن لغرف التجارة تحقيق أهداف مشتركة وتحسين القدرة التنافسية ودفع الأعمال التجارية إلى الأمام من خلال اتباع استراتيجيات تطلعية تمهد الطريق للنمو المستدام، فالشراكات القائمة على تحقيق الأهداف والتقدم هي محرك البدء.
وأصبح الآن من الضروري وحتميا على الحكومات عدم اتخاذ القرارات المؤثرة على الانشطة الاقتصادية إلا بعد التشاور مع الغرف التجارية و الصناعية.
أحمد الوكيل، رئيس غرف البحر الأبيض المتوسط، ورئيس الغرفة التجارية بالإسكندرية.