لقاء يتجدد أسبوعياً مع قلم
الدكتور/محسن محمد معالي
وشرح مبسط لمؤلف من مؤلفاته في عالم
لغة(الضاد)
واللقاء هذا الأسبوع مع مؤلف
(من روائع الكناية في اللغة)
بقلم الدكتور/ محسن محمد معالي
مِنْ رَوَائِعِ الكِنَايَةِ فِي اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ (دِرَاسَةُ تَطْبِيقِيَّـةُ )
يَتَنَاولُ هَذَا الكِتَابُ إِحْدَى مُمَيِّزَاتِ اللغَةِ العَرَبِيَّةِ ؛ أَلَّا وَهِيَ الكِنَايَةُ ، ذَلِكَ أَنَّنَا نَتَخَيَّرُ أَحْسَنَ الأَلفَاظِ التِي تُخْتَزَنُ في ذَاكِرَتِنَا ، بِحَيثُ تَكُونُ أَكْثَرَ مُنَاسَبَةً بِالمُوَازَنَةِ مَعَ غَيرِهَا مِنَ الأَلْفَاظِ ، لِتَكُونَ مُوَافِقَةً للحَالِ الذِي نَتَحَدَّثُ فِيهَا .
فَفِي أَثْنَاءِ حَدِيثِنَا، أَوْ كِتَابَاتِنَا الأدَبيَّةِ ، نُحَاوِلُ تَجَنُّبَ بَعْضِ الأَلفَاظِ دَرْأً للأَذَى أَوْ تَرَفُّعًا عَمَّا يَرْتَبِطُ بِتِلْكَ الأَلْفَاظِ مِنْ مَعَانٍ غَيرِ مَقْبُولَةٍ اجْتِمَاعِيًّا ، أَوْ أَنَّهَا تَخْدِشُ الحَيَاءَ العَامِ ، أَوْ تَشْمَئِزُّ مِنْهَ النُّفُوسُ .
وَمِنْ ثَمَّ يُمْكِنُ القَولُ أَنَّ اسْتِخْدَامَ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الكِنَايَةِ ، أَوْ مَا يُطِلِقُ عَلَيهِ التَّابُو؛ يُجَنِّبُنا الألفَاظَ غَيرَ المُسْتَسَاغَةِ، فَالعَرَبُ استَخْدَمَتْ هَذِهِ الأَلْفَاظِ الكِنَائِيَّةِ؛ لِعِدَّةِ أَغْرَاضٍ، فَهِيَ إِمَّا للتَهْوِيلِ ، أَوِ التَّفَاؤُلِ، أَوَ للكَثِيرِ مِنَ الأَغْرَاضِ الأُخْرَى
فَاسْتَخْدَمَتِ اللغَةُ مْصْطَلَحَاتٍ ، وَتَرَاكِيِبٍ وَأَلفَاظٍ أَقَلَ حِدَّةً ، وَمِنْ ثَمَّ فَهِيَ أَكْثَرُ قَبُولًا لَدَى النَّاسِ، وَهُوَ مَا أُطْلِقَ عَلَيهِ قَدِيمًا : التَّلَطُفُ ، أَوِ الاستِحْسَانُ ، أوْ مَا قَدْ يُصْطَلَحُ عَلَيهِ بِالمَحْظُورِ اللغَوِيِّ ، وَذَلِكَ من خِلالِ مُصْطَلَحِ الكِنَايَةِ ، مِمَا يُبَينُ قُدْرَةَ اللغَةِ عَلَى التَّعْبِيرِ بأسَاليبِ رَاقيةِ تَتَفِقُ وَالذُوقَ العَامِ .
وَقَدْ بَيَّنتُ في هَذَا الكِتَابِ مَوَاضِعَ الكِنَايَةِ :
إِذْ كَانَتِ العَرَبُ تَعُدُّ الكِنَايَةَ مِنَ البَرَاعَةِ وَالبَلاغَةِ ، وَهِيَ عِنْدَهُمْ أَبْلَغُ مِنَ التَّصْرِيحِ ، وَأَكْثَرُ أَسَالِيبِهِمِ الفَصِيحَةِ عَلَى مَجَارِي الكِنَايَاتِ .
بَيْدَ أَنَّ الكِنَايَاتِ لهَا مَوْاضِعُ ، فَأَحْسَنُهَا العُدُولُ عَنِ الكَلامِ الدُّونِ إِلى مَا يَدُلُّ عَلَى مَعْنَاهُ في لَفْظٍ أَبْهَى ، وَمَعْنًى أَجَلٍ ، فَيَجِيءُ أَقْوَى وَأَفْخَمُ في النَّفْسِ ؛ وَمِنْهُ اشْتُقَّتْ الكُنْيَةُ.
لاشَكَ أَنَّ اسْتِخْدَامَ تَطْبِيقَاتِ عِلْمِ الدَّلالَةِ عَلَى أَثَرِ الكِنَايَةِ يَكْشِفُ كَثِيرًا مِنْ نَوَاحِي الإِبْدَاعِ في أُسْلُوبِ القُرْآنِ الكَرِيمِ ، وَإِعْجَازِهِ ، وَالرَّبْطِ بَيْنَ الدَّلالَةِ المعْجَمِيَّةِ ، وَدَلالَةِ السِّيَاقِ مِمَّا يُؤَدِّي بِنَا إِلى نَتَائِجَ مُهِمَّةِ ، وَرُؤْيَةِ أَفْضَلِ للنَّصِ المَقرُوءِ .
وقَدْ قُمْتُ في إِطَارِ هَذَا الكِتَابِ بِدِرَاسَةِ وَصْفيَّةِ تَطْبِيْقِيَّةِ عَلَى عَدَدٍ مِنْ مَوَاضِعِ الكِنَايَةِ في عَدَدٍ مِنْ آيَاتِ الكِتَابِ الكَريمِ ، وَحَرَصْتُ عَلَى بَيَانِ أثَرِ الكِنَايَةِ فِي جَمَالِ دَلالَةِ السِّيَاقِ ، وَأَثَرَهَا في تَحْدِيدِ الدَّلالَةِ ، وَأَثَرَ السِّيَاقِ في تَحْدِيدِ المَعْنَى .
وَجَاءَ الكِتَابِ مِنْ مُقَدِّمَةِ وَتَمْهِيدِ يَسيرِ ، ثُمَّ عرَضْتُ للكِنَايَةِ مَوضُوع الكِتَابِ فَبَيَّنْتُ أنَّ الكِنَايَةَ مِنْ أَسَالِيبِ اللُّغَةِ العَرَبيَّةِ ، وَأَنَّ الذُّوقَ العَرَبيِّ يَأْبَى الفَاحِشَ أَوِ البَذِيءَ مِنَ القَوْلِ ، وَعَرَضْتُ لِتَعرِيفِ الكِنَايَةِ في اللُّغَةِ وَالاصْطِلَاحِ ، وَعَرَضْتُ لدِرَاسَاتِ سَابِقَةِ في مَجَالِ الاسْتِحْسَانِ وَالتَّلَطُّفِ الذِي وَافَقَ الذُّوقَ العَرَبِيِّ ، ثُمَّ شُرُوطَ الكِنَايَةِ ، وَالغَايَةَ مِنَ الكِنَايَةِ وَهَدَفَهَا ؛ الحَيَاءُ وَالتَّأَدُّبُ وَالاحْتِشَامُ ، وعَرَضْتُ لأمثلَةِ مِنَ التُّرَاثِ للكِنَايَةِ عَنِ المَرْأَةِ في الاستِخْدَامِ ، وَبَيَّنتُ أَنَّ كَثْرَةَ الكِنَايَاتِ عَنِ المَرْأَةِ عِنْدَ العَرَبِ ، لأَنَّهَا مِنْ بَابِ التَّذَمُّمِ مِنَ التَّصْرِيحِ بِاسمِ المَرْأَةِ ، كَمَا هُوَ الحَالُ في وَقْتِنَا الحَاضِرِ، فَمَازَالَ المِصْرِيُّونَ مُعْظَمُهُمْ يَتَجَنَّبُونَ ذِكْرَ أَسمَاءِ النِّسَاءِ ، وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ بشكْلِ كَبيرٍ في المَنَاطق الرِّيفِيَّةِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّكَ ، إِذَا مَا سَأَلْتَ طِفْلًا قَرِيبًا لَكَ عَنْ اسمِ وَالِدَتِهِ ؛ فَإِنَّكَ قَدْ تُشَاهِدُ تَغَيُّرًا في وَجْهِهِ ، وَقَدْ تَبْدُو عَلَيهِ عَلامَاتُ الاستِنكَارِ ، وَتَرَى الغَالِبِيَّةَ العُظْمَى مِنَ الرِّجَالِ لا يُفَضْلُونَ ذِكْرَ أَسمَاءِ نِسَائِهِمْ ، وَمِنْ ثَمَّ يَكْنُونَ عَنهَا بِلَفْظِ ( المَدَام ) فِي بَعْضِ المُجتَمَعَاتِ المُتمَدْيِنَةِ، فِي بِعضِ المُدُنِ ، أَمَّا المَنَاطِقُ الرِّيفِيَّةُ ، فَيُكْنُونَ عَنْهَا بِلفْظِ ( الجَمَاعَةِ ، أَوِ الأهْلِ ، أِوِ العِيَال) .
وَكَانَتِ الدكْتُورةُ عَائِشَةُ عَبدُ الرَّحْمَنِ تَكَنِي عَنْ اسمِهَا بِاسْمِ يَعْرِفُهَا بِهِ القُرَّاءُ فِي جَريدَةِ الأَهْرَامِ ، هُوَ ( بِنْتُ الشَّاطِئِ ) ؛ لأَنَّ نَشْأتِهَا لَمْ تَكُنْ تَسْمَحُ بِذِكْرِ اسمِهَا دُونَ كِنَايَةِ .
إِذْ كَانتِ العَرَبُ تَكْنِي عَنِ الفِعْلَةِ المُسْتَقْذَرَةِ بِأَلْفَاظٍ كُلِّهَا كِنَايَاتٍ مِنْهَا : الرَّجِيعُ وَالنَّجْو وَالبُرَازُ وَالغَائِطُ وَالحَشُّ ، فَبَعْضُ هَذِهِ الأَلْفَاظِ يُرَادُ بِهَا الحَدَثُ نَفْسُهُ ؛ وَلِذَلِكَ اسْتَعْمَلُوا في إِتْيَانِ النِّسَاءِ المُجَامَعَةَ وَالمُوَاقَعَةَ وَالمُبَاضَعَةَ ، وذُكِرَتْ في القُرآنِ الكَرِيمِ ألفَاظُ : المُبَاشَرَةُ وَالمُلامَسَةُ وَالمَمَاسَةُ وَالتَّماسُ ، وَالإِفْضَاءُ وَالغَشَيَانُ ، وَهِيَ تَفيِضُ حَيَاءً عَلَى نَحْوِ مَا بَيِّنَاهُ في مَوَاضِعِهِ .
وَالعَامَةُ في مِصْرَ تَقُولُ لذِي الكَلامِ النَّابِي الخَارِجِ عَنِ العُرْفِ وَالأَدَبِ ( حَسِّنْ مَلافِظَكَ ) .
وَمِنْ ثَمَّ يُمْكِنُنَا تَصْنِيفُ الكَلِمَاتِ المَحْظُورَةِ ، أَوِ المَمْنُوعِ تَدَاوُلهَا في المُجْتَمَعِ إِلى أَنْوَاعٍ ؛ فَمِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَلْفَاظِ الَموْتِ وَالمَرَضِ ، وَمِنْهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِبَعْضِ عَمَلِيَاتِ جِسْمِ الإِنسَانِ ، وَمَا يَصْدُرُ عَنْهُ ، وَكَلِمَاتٌ تَرْتَبِطُ بِالجِنْسِ وَالتَّنَاسُلِ ، وَمَا إلى ذَلِكَ .
بَيدَ أنَّنَا نَجِدُ تَتَفَاوتًا بَينَ المُجْتَمَعَاتِ في الانتِبَاهِ لهَذِهِ القَضَايَا ، هَذَا التَّفَاوتُ نَتِيجَةُ تَفَاوَتِهِمْ في المُسْتَوَيَاتِ الثَّقَافِيَّةِ وَالتَّعْلِيمِيَّةِ .
وَفي هَذَا الكِتَابِ عَرَضْتُ لنَمَاذِجَ مِنْ بَدِيعِ الكِنَايَاتِ، وَمِنْ ثَمَّ يُمْكِنُ القَولُ، بَأَنَّ الحُكْمَ عَلَى الكِنَايَةِ ، يَرْجِعُ للسِّيَاقِ الذِي تَرِدُ فيهِ، وَوُجُودُ قَرِينَةِ دَالَةِ عَلَى المَقْصُودِ ، إِذْ يُمَيِّزُهَا السَّيَاقُ .
وَقَدْ اسْتَشْهَدْتُ لمُعْظَمِ الدَّلالاتِ ، مِنْ القُرْآنِ الكَرِيمِ ، أَوْ الأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ الشَّرِيفَةِ ، وَأَبْيَاتِ مِنَ الشِّعْرِ دِيوانِ العَرَبِ بِمَا يُدَعِّمُ وَيُؤَكِّدُ الدَّلالَةَ التي أَقْصِدُهَا مِنَ الكِنَايَةِ .
من (روائع الكناية في اللغة) من إصدارات مؤسسة حورس الدولية للطباعة والنشر والتوزيع برئاسة الأستاذ أحمد عبد المنعم رئيس مجلس الإدارة
تجدوه في (حورس بوك ستور)
(٤٧مصطفي كامل بجوار كلية التربية الرياضية بنات بوكلي)