رامي عطا يكتب " نورتوا مصر"

رامي عطا يكتب " نورتوا مصر"
رامي عطا يكتب " نورتوا مصر"

 

 


د. رامي عطا صديق

بدعوة كريمة من قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، والدكتور عثمان شعلان، رئيس جامعة الزقازيق، شاركت  مؤخرا في حضور الاحتفال بمناسبة تذكار دخول العائلة المقدسة أرض مصر، الذي يوافق الأول من يونيو "24 بشنش" من كل عام.


نظم الاحتفالية معهد الدراسات القبطية، على مسرح الأنبا رويس بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، وحضرها عدد من الوزراء والمحافظين والسفراء، وعمداء الكليات وأساتذة الجامعات، بالإضافة إلى عدد من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ والشخصيات العامة، وبعض الآباء الأساقفة والكهنة. 


جاءت الاحتفالية نتيجة تعاون مثمر بين معهد الدراسات القبطية وجامعة الزقازيق، التي قام أساتذتها باكتشاف بئر العائلة المقدسة بمنطقة تل بسطا، منذ ثلاثين عامًا، في عام 1991م، بجهود البعثة الأثرية لجامعة الزقازيق وقيادة الدكتور محمود عمر سليم، كما أقامت الجامعة متحفًا غنيًا بالآثار المُكتشفة في تلك المنطقة.


تضمنت الاحتفالية- عبر فقرات متنوعة- فيلمًا تسجيليًا عن معهد الدراسات القبطية، الذي تأسس عام 1954م في عهد البابا يوساب الثاني، بجهود عدد من الأساتذة الأجلاء يتقدمهم أستاذ التاريخ الدكتور عزيز سوريال عطية، وفيلمًا آخر عن منطقة تل بسطا الأثرية بمحافظة الشرقية ومتحف جامعة الزقازيق، بالإضافة إلى عرض فني رائع ومتميز حمل عنوان "بانوراما رحلة العائلة المقدسة"، وقد أخرجه الفنان رأفت ميخائيل وأشرف عليه نيافة الأنبا ديمتريوس أسقف ملوى وأنصنا والأشمونين بصعيد مصر. 
كانت العائلة المقدسة (الطفل يسوع وأمه مريم العذراء والشيخ يوسف النجار والسيدة سالومي)، وحسب رواية الكتاب المقدس، قد هربت من فلسطين إلى مصر في القرن الأول الميلادي بعد ميلاد السيد المسيح، هربًا من وجه هيردوس الملك الذي أراد قتل الصبي خوفًا على مُلكه ممن ظنه ملكًا أرضيًا، فهربت العائلة المقدسة إلى مصر طلبًا للأمن والطمأنينة، وبحثًا عن السلام، وهي زيارة استمرت نحو ثلاث سنوات ونصف، ومرت بمناطق كثيرة في أرضنا المباركة، شمالها وجنوبها، في رحلة المجيء وفي رحلة العودة أيضًا، وكأنها أرادت أن تبارك كل بقعة من بلادنا الحبيبة، وأن تضيف الكثير لقوتها الذكية والناعمة، حيث زارت كلًا من الفرما بشمال سيناء، تل بسطا ثم بلبيس بالشرقية، سمنود بالغربية، سخا بكفر الشيخ، وادي النطرون بالبحيرة، المطرية ثم مصر القديمة والمعادي بالقاهرة، منف (ميت رهينة) بالجيزة، دير الجرنوس بالهنسا، جبل الطير ويُسمى أيضًا جبل الكف بسمالوط، الأشمونين، ديروط الشريف ومير القوصية ودير المحرق بأسيوط، وجبل درونكا ودير الجنادلة حسب بعض المخطوطات، ومن هناك "عادت العائلة المقدسة إلى فلسطين، بعد أن عاش السيد المسيح طفولته في مصر".
لقد تحولت تلك المناطق إلى بقع مقدسة وأماكن مباركة، بها كنائس وأديرة، تخدم المجتمع المحيط ويأتي إليها الزوار، من داخل مصر وخارجها أيضًا، من المسيحيين والمسلمين وغيرهم، طلبًا للبركة والتماسًا للمعونة، أو حُبًا في المعرفة واشتياقًا للبحث.


ومن المعلوم لنا جميعًا أن رحلة العائلة المقدسة تحظى باهتمام القيادة السياسية مُمثلة في الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أبدى تحمسًا واهتمامًا ملحوظين بمشروع إحياء مسار العائلة المقدسة في مصر، الأمر الذي انعكس على تحركات مسئولي الجهات التنفيذية المعنية في مقدمتهم رئيس الوزراء ووزير السياحة والآثار ووزير التنمية المحلية ومحافظي المناطق التي زارتها العائلة المقدسة، خاصة وأن تلك الرحلة تحظى أيضًا باهتمام منظمة "اليونسكو" المعنية بحفظ التراث الإنساني المادي والمعنوي.
ونشير هنا إلى مجموعة من المبادئ والمقترحات..
أولًا: إن التراث القبطي هو تراث مصري أصيل يخص كل المصريين، من مسلمين ومسيحيين، "يصل بين ما قبله وما بعده" بتعبير الدكتور إسحق إبراهيم عجبان عميد معهد الدراسات القبطية، وهو أيضًا أحد أعمدة الشخصية المصرية بتعبير الدكتور ميلاد حنا في كتابه الرائد "الأعمدة السبعة للشخصية المصرية".


ثانيًا: بمثل هذه الاحتفاليات يتأكد دور الجامعات والمعاهد الدراسية والمراكز البحثية في نشر الوعي بين الباحثين والطلاب، وإبراز ما تتمتع به مصر من تعددية وتنوع، ما يُمثل قيمة مُضافة للمجتمع المصري، توجب علينا استثمار تلك الحالة باعتبارها أحد مظاهر القوة الناعمة.
ثالثًا: مهمة قومية تقع على عاتق المؤسسات التعليمية والصحفية والإعلامية والفنية والثقافية، بالإضافة إلى منظمات المجتمع المدني، تختص بتسليط الضوء على الأماكن التي زارتها العائلة المقدسة في مصر، باعتبارها "صفحة من كتاب الحضارة المصرية، نفتخر بها على المستوى الكنسي والوطني"، كما قال قداسة البابا تواضروس الثاني في مناسبة سابقة.


وتبقى دعوة لكل المصريين، خصوصًا الأطفال والشباب، لزيارة مسار العائلة المقدسة في مصر، فيعرفون كيف أن مصر كانت- ومازالت- وطنًا آمنًا وملاذًا طيبًا لكل من التجئ إليه يلتمس الراحة ويطلب السلام. 
 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى عاصم صبحي يكتب...في زمن عز فيه القدوة

 
Get new posts by email: