الهمهمات تخيم، الجميع ينتظر، الضوء خافت، البعض يخشى الحساب، وأحدهم يتأهب له، وفي لحظة .. يتم إعلان البداية، يكشف الستار عن العرض، تسطع الشمس على الأعمال، وتنجذب الأنظار التي قد تجف عيونها لمنعها الرمش، الناس محدقين في أمل، في بهجة، في ترقب، في ملل، في قلق، في يقين...
والمحاسبون لذواتهم منكرون، فيفر المرء من أمه وأبيه، وصاحبته وبنيه إلى حياة أخرى، حياة تعرض منها مشاهد أمام الجميع، الأرض غير الأرض، والسماوات قد حجبت فرفعت وطوت كالأستار متراصة كالأوراق في الكتب، موسيقى تضرب الأنحاء، لها صدى في القلوب، والناس تتأثر ولا تحرك ساكنا...
المشهد يأتي بعد المشهد، بما قد يعجب الحضور فيشهدون له مهللين، أو في خشوع صامتين، العرض مستمر، قد تجد المحاسبون في زمن بعيد عرايا أو معممين أو مطربشين، وكأنهم في حياة غير الحياة، والناس يرقبون أحياء أموات، لا يتدخلون، وكأن حيواتهم وقفت تشهد حياة الآخرين.
الصراخ يملأ الأرجاء، استغاثات متلاحقة، أصوات أطفال تلهو، وحناجر تتمزق من الألم، البعض ينظر والبعض ينتظر، فيسمح له فيعبر عن ذاته بالحديث، الموسيقى تعلو، الأضواء تضطرب وقد تناسى الجمع أين الليل ومتى النهار، صوت ضحكات تكاد تفتك بالقلوب سعادة، ويمزقها الصراخ.
وفجأة ظهر رجل في زي كلاسيكي أنيق، وقف أمام الحشد يحفه الوقار، وبدأ بالحديث بصوت جهوري: "سيداتي سادتي... انتهى عرض الليلة، أتمنى أن نكون عن حسن حظك، كنتم في حضرة فرقة لافيتا، مسرح المدينة القومي"، ضرب الناس الكف بالكف معلنين الرضا وبدأوا في مغادرة القاعة.