كان أيدين رئيس رحمه الله يعمل فيما سبق في بحرية دولة المماليك, ولكن بعد أن تضاءل الدور المملوكي في هذا المجال, انضم أيدين رئيس إلى خير الدين بربروسا والذي غدا نشاطه في العمليات البحرية يفلت الانتباه.
لما صار أيدين رئيس قريبًا من خير الدين بربروسا ازداد به إعجابًا, ولمواهبه في التخطيط وتنفيذ العمليات القتالية تقديرًا, ومن ناحيته وجد خير الدين في أيدين رئيس المجاهد المخلص, والقائد الذي يُعتمد عليه في تنفيذ المهام الصعبة, وفي سنة 935 هجرية = 1528م احتدم الصراع بين شارلكان ملك إسبانيا وألمانيا وإيطاليا والنمسا من ناحية, وخير الدين بربروسا والي الجزائر العثماني من ناحية ثانية, وأخذ الإمبراطور الصليبي يخطط من أجل إصابة المجاهد العثماني في مقتل, ومن تحقيق هذه الغاية ذهب إلى جنوة وغيرها من أجل حشد الأساطيل الصليبية.
وفي هذه السنة نفسها عهد خير الدين إلى أيدين رئيس بقيادة الأسطول العثماني وضرب السواحل الإسبانية والإيطالية في إطار التحدي لشارلكان وحلفائه, نجح أيدين رئيس ورجاله في قصف مارسيليا ونيس, كما قصف أيضًا مدينة بلنسية, ثم ملأ سفنه بآلاف الأندلسيين الذين آثروا الهرب من إسبانيا حيث الاضطهاد والسياسة التي تعمد إلى إجبارهم على اعتناق النصرانية, ملأ أيدين رئيس سفنه بالآلاف من النساء والأطفال والعجائز, وتوجه صوب الجزائر.
هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى فقد أصدر شارلكان أوامره إلى قائد الأسطول الإسباني, قائد البحر بورتُند بضرورة إيقاف السفن العثمانية مهما تطلب الأمر, وقتل جميع من على متنها من الأندلسيين.
كان شارلكان يرمي من وراء ذلك تحقيق هدفين في وقت واحد ومن ضربة واحدة, الهدف الأول: توجيه ضربة لا يستهان بها إلى قوات البحرية العثمانية, القوات التي تمسك ومنذ سنوات بزمام المبادرة في الصراع ضد الصليبيين, والهدف الثاني: هو إخافة وإرهاب الأندلسيين لكيلا يفكروا في الهروب مرة أخرى, وبالتالي يرضخون لما يطلب منهم فيتركون الإسلام ويعتنقون النصرانية.
هذا ما كان يهدف إليه شارلكان ولكن غاب عنه أنه يواجه رجلاً يجيد التصرف في الظروف الصعبة, وقد برزت هذه الخاصة أَيّمَا بروزٍ في المعركة التي تأججت نارها والتي أدارها من الجانب الإسلامي أيدين رئيس أو ضار الكفار.
رأي أيدين رئيس أن الأساطيل الصليبية تتأهب لضرب سفنه, وسفن الأعداء متفوقة عليه بشكل ظاهر إضافة إلى أن سفنه مشحونة باللاجئين الأندلسيين, ولا تسمح النظم العسكرية للسفن المحملة بالأطفال والنساء والعجائز أن تدخل معركة مواجهة وذلك حفاظًا على أرواح المدنيين على متنها.
حينئذ أقدم أيدين رئيس على عمل شجاع فقد وَجْه سفنه إلى الشواطئ الإسبانية, حيث أنزل الأندلسيين وهم يصرخون ويبكون, لأنهم يرون أن فرصة النجاة بأرواحهم وعقيدتهم قد أفلتت إلى غير رجعة.
وبعد أن تحرر أيدين رئيس من هذا القيد دخل المعركة ضد الأساطيل الصليبية, دخلها هو ورجاله وكلهم بسالة وإقدام دخلوها بإيمان راسخ وعقيدة لا تلين, دخلوها طالبين الشهادة التي بدت وشيكة, بهذه الروح القتالية العالية دخل المجاهدون المعركة التي فرضت عليهم من قبل الأعداء دون استعداد منهم, وكانت النتيجة نجاح المجاهدون في تحطيم سفن الأساطيل والاستيلاء على عدد كبير بما في من سلاح وعتاد, أما البقية فقد هربت طالبة النجاة, وخاصة بعد أن قتل قائد الأساطيل بورتُند.
وبعد هذا الانتصار الرائع لم ينس أيدين رئيس واجبه الديني والإنساني تجاه أولئك البؤساء الذين أرغموا على النزول من السفن استعدادًا لخوض المعركة, فذهب بسفنه المنتصرة إلى الشاطئ الإسباني, وأمر بأركابهم جميعًا فركبوا وهم يهللون ويكبرون, ويدعون للسلطان العثماني سليمان الذي يقف إلى جانبهم في أزمتهم العاتية.
وهكذا سجل التاريخ لأيدين رئيس أو ضارب الكفار, صفحة رائعة جمعت بين المهارة العسكرية من ناحية وأصالة الروح الإنسانية من ناحية ثانية, وبدلاً من أن يحقق شارل الكبير هدفين من ضربة واحدة, جاءت النتيجة عكسية, وتحقق ضده هدفان من ضربة إسلامية واحدة, ومن هذا الذي وقع في هذه المعركة يتبين لنا إلى أي مدى ينطبق اللقب الذي أطلق على أيدين رئيس, وأعني به لقب ضارب الكفار.
المراجع ..
مذكرات خير الدين باشا
أخبار الدول وآثار الأول
حقائق الأخبار عن دول البحار
الجبهة الإسلامية في مواجهة المخططات الصليبية
تاريخ الدولة العثمانية يلماز أوزتونا
الدولة العثمانية وقضية المورسكيين