تحوم الصقور في سماء منطقتنا العربية ، و تتربص الذئاب بها ، و أصبحت بين شِقّيٓ الرحي ، و دارت رحي الحرب في فلسطين من جديد ، بين كيان محتل غاصب للأرض ، وحش قاتل للأبرياء ، و بين مقاوم صاحب أرض و قضية ، مدافع عن أرضه و ماله و عرضه . تتواتر الأخبار منذ صباح يوم السابع من شهرنا الجاري أكتوبر الذي أوشك علي الأفول ، حاملة لنا تلك الأخبار أنباء الحرب ساعة بساعة ، و دقيقة بدقيقة ، و الكل يتابع ، و المصاب عظيم ، فالعائلات تباد ، و الأطفال الأبرياء يقتلون ، و يذهب العدو الصهيوني إلي أبعد من ذلك ، فهو يريد تهجير أصحاب الأرض من أرضهم بغير رجعة ، حتي يحقق حلمه الواهم بدولة يهودية من النيل إلي الفرات . فأصبحت أرض النيل و قلب الأمة ، و رأس حربة الإسلام تحت تهديد مباشر و صريح بسلب و اقتطاع جزء مقدس من أرضها و ترابها ألا و هو سيناء ، أرض الطور و العيون ، الأرض التي شهدت و تشرفت بتجلي خالقها بوجهه الكريم سبحانه و تعالي . تزف إلينا القنوات الإخبارية بين الحين و الحين أخبار سارة عن المقاومة الفلسطينية ، كما تدمي قلوبنا بأخبار موجهة صادمة عن إفراط العدو الصهيوني في استخدام القوة ضد السكان العزل المدنيين من أهل قطاع غزة الذي يقبع تحت حصار غير آدمي . اختلف البعض بين مؤيد للمقاومة و بين معارض لها ، حتي أن رئيس السلطة الفلسطينية عباس أبو مازن دعا إلي مقاومة سلمية !!! . و تعالت الأصوات الداعية إلي الجهاد في سبيل الله و نصرة إخوتنا الفلسطينيين المستضعفين ، لكن الشعوب الحرة قابعة تحت حكم يميل إلي السلام كخيار استراتيجي . فما هو الجهاد إذًا ؟ .. و ما هي المقاومة ؟ .. عندما تسمع كلمة " الجهاد " ، قد يخطر في بالك الصور النمطية التي رسمتها وسائل الاعلام ، صور ذات مضمون ظاهري متمثل في جلباب و لحية طويلة ، و سلاح ، و غلظة في الشكل و التعامل . لكن هناك حقيقة أكثر عمقًا و تعقيدًا خلف هذا المفهوم . يشير الجهاد إلي النضال و السعي من أجل الإصلاح و التحسين ، سواء علي المستوي الشخصي أو في سبيل الدين أو المجتمع . الجهاد في الإسلام يعني السعي لتحقيق الخير و العدل في الذات و المجتمع ، و ذلك من خلال الجهود القوية و المستمرة في مواجهة التحديات و المعوقات ، إن أهمية الجهاد تكمن في تعزيز الإصرار و القوة الداخلية و تعزيز العدالة و المساواة في المجتمع . و للجهاد أنواع مختلفة ، يأتي علي رأسها الجهاد النفسي ، يتعلق هذا النوع من الجهاد بالسعي للتحسين الشخصي و التغلب علي النفس الهوجاء و الشهوات السلبية . " وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ " آيه ٦ سورة العنكبوت . و هناك الجهاد الدعوي و هو يتعلق بالسعي لنشر الإسلام و توعية الناس بقيمه و مبادئه ، " ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ " آيه ١٢٥ سورة النحل . و ثالث أنواع الجهاد هو الجهاد الدفاعي ، يشير الجهاد الدفاعي إلي الدفاع المشروع عن النفس و الأرض و المجتمع في حالة الهجوم و العدوان . " وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ " آيه ١٩٠ سورة البقرة . و هناك الجهاد العلمي و الذي يشير إلي السعي للمعرفة و التعلم و نشر العلم و الحكمة ، و أخيرًا الجهاد الاجتماعي و الذي يتعلق بالسعي لتحقيق العدالة و المساواة و مساعدة الفقراء و المحتاجين . يتضح لنا من بين هذه الأنواع للجهاد أن حياة المسلم كلها جهاد ، إذ يشمل جميع نواحي حياة الفرد المسلم المؤمن ، عليه ، فإن فهم هذه الأنواع المختلفة للجهاد يساعدنا علي التقدم نحو تحسين أنفسنا و مجتمعاتنا لتحقيق الخير و العدالة . أما عن مفهوم المقاومة و تعريفها و دورها في الصراعات نقول ، أن أحد أهم مفاهيم المقاومة هو الصمود و المقاومة للقوي العدوانية في الوجه الأكثر قوة و فعالية ، يعني ذلك الإستعداد للتحمل و المقاومة من أجل الحفاظ علي القضايا العادلة ، و الإستمرار في مواجهة الضغوط و الإضطهاد في الصراعات ، و تلعب المقاومة دورًا مهمًا في مواجهة القوي الغازية و حماية الحقوق و الكرامة الانسانية . قد تكون الأشكال المشهورة للمقاومة تتضمن النضال السياسي و الإحتجاجات السلمية ، و العصيان المدني و حتي الاستخدام المشروع للقوة بحسب القوانين الدولية . رغم التشابه بين مفهوم المقاومة و الجهاد في بعض الجوانب ، إلا أن هناك اختلافات أساسية تميز كل منهما ، فالجهاد يعني النضال المقدس في سبيل الله ، و تشمل الجهود المبذولة للدفاع عن الاسلام و نشره ، و من جهة أخري ، تركز المقاومة علي النضال من أجل الحقوق العادلة و التحرر من القمع . و بينما يمكن أن يشمل الجهاد أشكالًا مختلفة من النضال بما في ذلك المعركة العسكرية فإن المقاومة تركز أكثر علي النضال السلمي و السياسي ، بغض النظر عن الاختلاف في المفاهيم ، كلاهما يعبر عن ارادة الشعوب و الأفراد للدفاع عن حقوقهم و حرياتهم . عندما يتعلق الأمر بالجهاد و المقاومة ، فإنه من الأهمية بمكان فهم أهدافهما و أهميتها ، حيث يتم استخدام هذين المصطلحين في العادة لوصف نضال فردي أو جماعي بغية تحقيق أهداف سياسية أو دينية ، و فهم الفرق بينهما أمر بالغ الأهمية . و المقاومة هي نوع من النضال الجماعي الذي يهدف إلي مواجهة الاحتلال و الظلم ، و تحقيق الحرية و الاستقلال ، و تكون أهداف المقاومة محددة حسب الظروف و السياق الذي يتم فيه النضال ، كما تتضمن أهداف المقاومة عادة استعادة الأراضي المحتلة و الحفاظ علي الهوية الثقافية و الاجتماعية و السياسية للشعب المقاوم . و إذا تحدثنا عن استخدام القوة في الجهاد و المقاومة ، نقول أن لكل منهما أساليب في استخدام القوة . عندما يتعلق الأمر بالجهاد يشير ذلك إلي استخدام القوة من أجل التحقيق و الدفاع عن المبادئ و العقائد ، في سياق الجهاد يعتبر استخدام القوة ضرورة في مواجهة الأعداء أو التصدي لظلم النظام القائم ، بحيث يمكن أن يشمل الجهاد استخدام القوة العسكرية أو العنف لتحقيق الأهداف المرجوة . من ناحية أخري ، تعد المقاومة وسيلة لتحقيق أهداف سياسية محددة ، و قد يكون للقوة دور في تحقيق تلك الأهداف ، في حالة المقاومة ، يهدف استخدام القوة إلي مواجهة القمع و الظلم و الاحتلال الذي يمارسه النظام الحاكم ، قد يتضمن ذلك استخدام القوة العسكرية أو الاحتجاجات المدنية ، أو الاستخدام المدروس للعنف من أجل الدفاع عن حقوق الشعوب و الأفراد . بصفة عامة ، يمكن القول أن استخدام القوة في الجهاد و المقاومة يعتمد علي الظروف و الهدف و السياق السياسي لكل حركة ، و يجب أن يتم تنفيذ القوة بحذر و بشكل منضبط لتحقيق الأهداف المرجوة دون إلحاق الضرر الزائد بالمدنيين أو تجاوز حقوق الانسان . و عليه يمكننا أن نستنتج أن لكل من الجهاد و المقاومة تأثيرات سواء علي الأفراد أو المجتمعات . فالجهاد كجزء من العبادة الاسلامية ، يعتبر مصدرًا للتحدي الذاتي ، و النمو الروحي ، إذ يمكن أن يؤدي الجهاد إلي تحقيق السلام الداخلي و التوازن النفسي ، يوفر التفاني و الصبر للقيام بالجهاد لأجل الخير العام فرصًا للتطور الشخصي و تعزيز القوة الداخلية . أما علي المستوي المجتمعي ، قد يسهم الجهاد في بناء المجتمعات المترابطة و المؤمنة بالقيم الاسلامية ، من خلال التوجيه الديني الذي لا غني عنه ، و تعزيز العدل و الأخلاق ، كما يعزز التضامن و التعاون بين أفراد المجتمع . هذا و تكمن أهمية المقاومة في وجودها كأداة لمواجهة الظلم و القمع و الاحتلال ، إذ يسعي المقاومون إلي تحقيق الحرية و العدالة و إعادة الحقوق المسلوبة للشعوب المضطهدة ، كما يمكن للمقاومة تسليط الضوء علي قضايا غير محلية و جذب الانتباه من المجتمع الدولي إلي الأحداث الجارية . كما هو الحال بالنسبة للمقاومة الفلسطينية ، إذ يمكن أن يكون لها تأثير قوي علي الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي ، و علي إرادة الشعب الفلسطيني في الحصول علي حقوقهم الوطنية و الانسانية المشروعة . في النهاية يمكننا أن نقول أن الجهاد و المقاومة يمكن أن تؤثر علي النفس و المجتمع بطرق متعددة ، مما يعزز العدالة و الحقوق و التضامن ، و مع ذلك ، يجب أن تستخدم كلا الكلمتين بحذر و توجيه داعم للقيم الأخلاقية و القانونية .