دكتورة /زينب ناجي المنسي تكتب : البعد القومي في أدب المقاومة الفلسطينية

دكتورة /زينب ناجي المنسي تكتب : البعد القومي في أدب المقاومة الفلسطينية
دكتورة /زينب ناجي المنسي تكتب : البعد القومي في أدب المقاومة الفلسطينية

 

القومية هي شعور الانتماء إلى الأمة العربية، بينما الأدب هو التعبير المثير عن حقائق الحياة، فنيا وجماليا . لذا فالبعد القومي في الأدب المقصود به التعبير الفني عن قضايا الأمة ومشكلاتها الكبرى ومما لاشك فيه أن الأدب أبرز ضروب الفنون عند العرب، وقديماً قيل الشعر ديوان العرب فمن الطبيعي أن تجد في الأدب العربي صوراً متنوعة لكل مناحي الحياة العربية . ومن ناحية أخرى فإن المفهوم القومي العربي بدأ في الظهور منذ العصر الجاهلي على عكس مايشيع البعض بأن هذا المفهوم ارتبط بالحقبة الناصرية ،فالقومية العربية مفهوم عفوي تاريخي . وفي البداية كان الانتماء إلى القبيلة ولكنه كان يتحول إلى انتماء أممي إثر ظهور أخطار تهدد الجميع معركة ذي قار نموذجا . وقد تبلور مفهوم القومية العربية خلال العصر العباسي الأول نتيجة التحديات التي واجهت المنطقة العربية أثر سياسة الشعوبية التي اتبعها الفرس والترك ضد العرب علاوة على الكوارث التي لحقت بالمنطقة العربية جراء اعتداءات الصليبيين والمغول . ورغم تبلور مفهوم القومية العربية إلا أن الشعور القومي في الأدب لم يكن شعوراً مستمراً ،بل كان شعوراً مؤقتا يظهر تارة ،ويختفي تارة أخرى، فحينما ظهر في مطلع العصر العباسي على شكل تحد للأمة العربية، ظهر بسبب آخر في العصر العباسي الثاني ،حينما ضاعت الأندلس وفي العصر الحديث مع مأساة فلسطين أو أندلس العرب الثانية، اهتزت المشاعر وأنطقت شعراء العرب بشعر نلتمس فيه الروح القومية ،وبمرور الوقت تبلور الشعور القومي العربي حتى صار ثابتا ومستقرا . وقد ظهر البعد القومي في أدب المقاومة الفلسطينية على لسان كل العرب منذ بداية الانتداب البريطاني ،حيث استحوذت القضية الفلسطينية على اهتمام الأدباء العرب، ليس في فلسطين فحسب، بل أيضا في المهجر، وشمال أفريقيا، وبلاد الشام، ومصر. وفي هذا السياق، نلحظ رواج قصيدة موطني للشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان في العام ١٩٣٠ على مستوى العالم العربي وفي العام ١٩٣٤ لحن الأخوان فليفل اللبنانيان القصيدة، التي أصبحت منذ ذلك الوقت أقرب إلى نشيد وطني على امتداد العالم العربي . لقد نجحت القضية الفلسطينية أدبيا على قدر الفشل السياسي فقد كانت تلك القضية السبب الأول في تنامي المفهوم القومي فبعد قصيدة موطني جال الأدباء الفلسطينيين العالم العربي ولم يقتصر أدب المقاومة على الفلسطينيين فقط بل أصبحت قضية الجميع يتحدث أحد الأدباء الفلسطينيين عن نفسه قائلا " أنا واحد من الناس محروم من الوطن إذا صح التعبير، ولكن قومي في كل الأقطار العربية " . وفي الأدب الفلسطيني رموز متكررة تفصح عن القومية في حالة التفكك والاستلاب منها الصبار والجسر والزيتون والكوفية. فالصبار يزرعه أهل الريف في كل أنحاء العالم العربي للفصل بين حقولهم وأصبح الصبار رمزا مشحونا بالدلالات العاطفية المتضاربة منذ نشأة الدولة اليهودية ، فمن جهة جعل يهود إسرائيل من هذه النبتة المحلية رمزا وطنيا لهم، ورأى العرب فيها سلب وطنهم متجسدا أمام أعينهم . أما عن الجسر فهو رمز مركب يدل على التواصل والتقريب والقدرة على الحركة، وعبور الحدود والوصول، والترابط، والمرور والجسر أيضا رمز مشحون بالمعاني في الأدب الفلسطيني وهو يرسي أسس الاجتماع ولم الشمل و "تجسير" المسافات كما أنه يرمز إلى انفصال غالبا ما يرتبط بالتضحية ،غير أن التنظير القديم للجسر كـ"شيء يجمع" بين الإنسان والأربعة التي هي الأرض، والسماء، والآلهة، وكل من هو فان، ينطلق من رؤية "قوميّة جماليّة" . وقد أصبح الزيتون رمزا قوميا في العديد من الأدبيات العربية وتحولت الكوفية في الأدب العربي إلي رمز مقاومة وكما كانت قصيدة موطني لإبراهيم طوقان نشيد قومي عربي صارت الكثير من الأعمال الفنية الخاصة بالمقاومة الفلسطينية ذات بعد قومي مثل أغنية زهرة المدائن وهي اغنيةعن مدينة القدس للفنانة اللبنانية "فيروز". ألفها ولحنها الأخوان رحباني عقب هزيمة العرب في حرب 1967. ورغم أن القصائد سواء امتازت بالبعد القومي أم لم تتميز به لم تحرر ابدا بلداً محتلا ، ولكن دائما كان بمقدور الشعر الإبقاء على جذوة القومية مشتعلة في الوجدان وحينما سميت القصيدة زهرة المدائن إنما كان الهدف توطين القدس في الذاكرة القومية، حيث صارت القدس تعويذة الشعراء القوميين بامتياز، بل مبرر الحنين وتأكيد شاعرية الوجود في نصوصهم،لقد تجلى البعد القومي في شعر المقاومة في أن أصبحت القدس سمة ماء التعميد الذي ينغسل به الشعراء من آثار الهزيمة والخيبة لدرجة أن يوسف العظم أعلن تبتله لها كقبلة شعرية، كما تنم عباراته الولائية "وعلى القدس قد قصرت حديثي...وقوافي شعري وبيت قصيدي" . لقد صارت القدس المعادل الشعري للإنسان العربي الموصوم بكونه مجرد ظاهرة صوتية، يحيث يبكي شاعر على أطلالها، ويرثي ضياعها كفردوس مفقود، فيما يعلن آخر حنينه إليها، معتذرا عن عجزه المزمن عن تحريرها، ويلوح لها ثالث من بعيد بحتمية العودة القريبة إلى ربوعها وهكذا تتوالى الأمنيات والخيبات منصصة في قصائد، حيث تصعدت من كونها مدينة من حجر وبشر لتتحول إلى قيمة إلهامية فائضة بالمعاني بما أسبغه عليها الشعراء من نعوت ودلالات روحية ونضالية لا حصر لها، إذ تم توصيف هذه المدينة العتيقة، بهية المساكن، باستيهامات كلامية من خارجها وفق إملاءات الذاكرة الإنسانية، وسرديات الكتب السماوية، ومن فلسطين ولبنان إلي شمال أفريقيا انتقل أدب المقاومة الفلسطينية ذات البعد القومي فعلي سبيل المثال نجد أن الشعب الليبي كان مهتما بالقضية الفلسطينية أكثر من اهتمامه بالشأن الداخلي وجاءت أغنية "وين الملايين" لتعبر عن المزاج القومي لليبيين والتي جاءت في وقت مناسب جدا لطرح مثل هذا السؤال، وقد كتب كلماتها الشاعر الليبي علي الكيلاني، وللكيلاني قصائد مقاومة أخرى ذات بعد قومي مثل "ثوري" و"فلسطين عربية" و"يا حمام القدس" . وفي الجزائر كتب عبدالوهاب منصور قم في الحشود مطلعها : قم في المحافل منشدا ... شعرا يذيب الجلمدا . وأنشد الشاعر صالح خرفي لفلسطين والحق في العودة إلى الأراضي التي هجروا منها قسرا .. أيها النازحون في الليل صبرا... إن الآمكم ستبدع فجرا . ما فلسطين للعروبة إلا ... أمل يلهب الجوانح جمرا .

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

 
Get new posts by email: