في تقنيات تحليل الرأي العام (Sentiment Analysis)، يمكن معرفة أحدث المعلومات حول ما يجري. يمكن معرفة الرأي العام الذي يتشكل حيال موضوع معين، سواء كان إيجابيًا أم سلبيًا. كما تقدم فهمًا عن قوة هذا الرأي ، اتجاهه و كمية التعليقات المؤيدة أو المعارضة و حدة كلا منهما. يمكن للبرمجة حديثة أن توفر لمتخذ قرار امكانية التوجيه المباشر للتفاعل مع جميع هذه الجوانب.
يعتقد البعض أن استخدام نماذج مثل GPT يمكن أن يساهم في توفير ردود فعل فورية وتفاعل مباشر. ومع طبيعة وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن أن تحجب بطبيعتها آراء الآخرين وتقييدك داخل الأفق الذي يؤكد على فهمك وآرائك الأولية.
تطبق خوارزميات مواقع التواصل الاجتماعى بطبيعتها الانحياز التأكيدي بشكل مباشر، فى سعيها المباشر لاسترعاء انتباهك و اثارتك ، و بالتالى تحجب تواصلك مع آراء مختلفة. يصعب تحدي الأفكار والمعتقدات عندما تُطبق هذه الإجراءات،و ايضا تدرب عقلك على التعامل مع الحججة المنطقية المغايرة لرأيك باعتبارها شبهات يجب دحضها و الخصومة مع مدعيها، وهو يشبه إلى حد كبير نظام المناعة فى التعامل مع الاجسام الغريبة. إلا ان الاجسام الغريبة هنا هى الافكار المتباينة الاخرى.
بالنظر إلى المجموعات وتطبيقها على كل حالة، نجد أن صفحات فيسبوك ومجموعات واتساب تتحول تدريجيًا إلى مجموعات متشددة تتباعد عن نسيج المجتمع تدريجيًا.
و بصورة إحصائية و باعتبار مليارات المستخدمين يوميا لوسائل التواصل الاجتماعى، يجب ان تتشكل مجموعات تصبح بالتأكيد متطرفة الفكر، وتمتلك أرضية مختلفة تمامًا عن أرضية المجتمع الطبيعي، مما ينعكس على سلوكياتهم وأقوالهم وعاداتهم.
ومن الجدير بالذكر أن هناك اختلافًا واضحًا بين هذه الجماعات وبين الواقع الذي اختاروه، مما يشكل حاضنة لأفكارهم وتصرفاتهم و التى تعزز إنعزالهم عن المجتمع الطبيعى الجغرافى الذى يتواصلون معه خارج الواقع الافتراضى.
لنُقدم مثالًا يوضح هذا السياق بشكل فعال قبل أن نستمر، فمجموعة لاعبي الملاكمة تجتمع للحديث عن هذه الرياضة، ولكن يصعب عليهم التفاعل مع من خارج هذا الدائرة. بطبيعة الحال فى زمن ما قبل وسائل التواصل الاجتماعى كان الفرد يتواصل مع زملائه اللاعبين فى ناديه او من نوادى اخرى و مدربه. على فترات متباعدة بالمقارنة بما يتم حاليا من خلال وسائل التواصل الاجتماعى.
نعود الآن إلى الاختلاف البارز بين هذه الفئات الواقعية وبين المجموعات التي تشكلت عبر الإنترنت ، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي بأشكالها المتنوعة، وخاصة في العناصر الأساسية التالية:
الأولى: أنك في الواقع تعلم تمامًا أنك متصل بمجموعة معينة تختلف عن الأخرى، ولكن في المجموعات الافتراضية، غالبًا ما لا تدرك أنك داخل هذه المجموعة.
الثانية: المجموعة الافتراضية تكون معك في معظم الأوقات، ويمكنك استدعاء انتباهك من خلال إشعارات التنبيه.
الثالثة: أفراد المجموعة في العالم الافتراضي قد تكون أشباحًا، ربما يكونون برمجيات أو روبوتات أو حتى أجانب عن بلدك، أو حتى كائنات فضائية!.
تلك العوامل تغير الوضع تمامًا. بعض الأشخاص يمزجون بين الواقع الحقيقى والواقع الافتراضى، و من ثم يتكون لديهم وعي غير حاسم بالواقع الحقيقى، لأنه مشوب بتقاطع مع الواقع الافتراضى.
هذا يؤدي إلى تشكيل رؤية للأمور، لا تكون فقط محسوبة ولكن أيضا تحمل إحساسًا بأن كل الأصوات حصلت على حقها في الظهور. يتشكل هذا الإحساس في حين يكون عقلهم تم غسله بشكل كبير.
يظهر شيء شبيه بمفهوم ابن خلدون، "الجاهل المركب". هذا هو الشخص الذي يعتقد بثبات أنه ليس جاهلًا، لأنه يُغْسَل عقله بشكل كبير، وهذا يؤدي إلى تشكيل رؤية متحيزة بشكل تام. هنا يكمن خطر آخر، وهو التبني الكبير لرؤية معينة.
إذا كانت الرؤية قد تم تشكيلها بلطف وعلى مراحل وتم تأكيد جميع عناصرها، وتم الدفاع عنها وترويجها، فإن المناقشة مع هؤلاء الأفراد تصبح أمرًا صعبًا للغاية، ويكاد يكون من المستحيل تغيير وجهة نظرهم.
تخيل أن هؤلاء الأشخاص يشكلون نسبة كبيرة جدًا من الأفراد الذين قد تتفاعل معهم، وكل واحد منهم متشبث برأيه الذى يرقى لدرجة المعتقد.
كل شخص يحمل انحيازاته، وقد يكون متطرفًا هو ومجموعته. هذا التشدد ينعكس على سلوكهم وأقوالهم وعاداتهم. يمكن أن يفسر هذا التصاعد في السلوك والأقوال الغريبة التي قد تراها أو تسمعها من شخص معين، لأن هذه الممارسات لها بيئة فكرية معينة منفصلة عن الواقع الحقيقى الذى تشاركه مع هؤلاء الاشخاص.
هذه الظواهر تسلط الضوء على عيوب وتحديات استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى قراءتنا المحدودة في اتجاه فكري واحد. يمكن أن تكون هذه القضايا ذات أهمية خاصة في بيئة تتطلب التفاعل مع آراء وتحديات متنوعة.
يجب أن نكون حذرين بشأن كيفية تشكيل الرأي العام والتفاعل مع العالم الرقمي. قد يكون من المفيد أن نطوّر قدرة على النقد الذاتي وتحليل المعلومات بشكل مستقل، متحدين بذلك الانحيازات التي قد تظهر نتيجة للتفاعل مع مجموعات محددة.
في هذا السياق، يتعين علينا تعزيز الحوار وتشجيع التفاعل مع آراء متنوعة ووجهات نظر مختلفة. يمكن أن يسهم ذلك في تعميق فهمنا للقضايا ويعزز التسامح والتعاون في مجتمعاتنا.
التحولات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي لديها دور كبير في تشكيل الرأي العام وفهمنا للعالم من حولنا. ومع ذلك، يتعين علينا أن نكون على دراية بتأثيراتها وأن نبني مهاراتنا في التعامل مع هذه التحديات بشكل فعّال.
لذا، يمكننا أن نستفيد من التقنيات التحليلية مثل تحليل الرأي العام لفهم المزيد عن وجهات نظر الناس واستجابتهم للأحداث، ولكن في الوقت نفسه يجب أن نحافظ على القدرة على التفاعل مع أفكار متنوعة وأن نسعى لفهم وجهات النظر المختلفة ، و الاهم ان ندرك الفقاعة الافتراضية التى شكلتها وسائل التواصل الاجتماعى و حبستنا بداخلها.
بهذا السياق، يظهر أهمية تعزيز الحوار المفتوح والتواصل الفعّال في المجتمعات الرقمية، حيث يتم تشكيل وجهات النظر والآراء في سياق رقمي متغير بسرعة.
في الختام، يتعين علينا أن نكون على دراية بتحديات العصر الرقمي وأن نسعى لتطوير مهاراتنا في التفاعل مع المعلومات والآراء بطريقة نقدية ومتوازنة، وذلك لتعزيز فهمنا الشامل للواقع والمساهمة في بناء مجتمع يستند إلى التنوع والتفاعل البنّاء.