عاصم صبحي يكتب....أدبيات الشعوب أثناء الحروب

عاصم صبحي يكتب....أدبيات الشعوب أثناء الحروب
عاصم صبحي يكتب....أدبيات الشعوب أثناء الحروب
مما لا شك فيه أن الحروب هي فترات صعبة تشهدها الشعوب ، فلقد عرف الانسان سبيله إلي الصراع أو الحروب منذ فجر التاريخ ، فمتي نشأت القبيلة و اتخذت من الأرض مساحة كافية تأمن لها سبل العيش و الأمان و الديمومة ، نشأ احتياج تلك القبيلة إلي الدفاع عن نفسها ضد من تسول له نفسه الإغارة عليها و انتزاع ما تتمتع به من أرض تأويها ، و موارد طبيعية كالغذاء و الماء و المعادن و الثروة الحيوانية . و كلما تطور النمو الاجتماعي البشري ، كلما ازدادت فرص التعرض لمخاطر العيش ، فإذا ما اتحدت القبائل فيما بينها ، و صارت شعب يقطن مساحة عريضة من الأرض ، سميت دولة ، و أصبح لها كيان و أساس و أبعاد و حدود ، أصبح من الضروري تأمين هذا الكيان و الحفاظ علي مقدراته و حدوده ، و حياة أفراده . بالتالي فإن تلك الحروب و الصراعات قد أثرت بشكل كبير علي جميع جوانب الحياة ، بما في ذلك الأدب و الثقافة الشعبية ، و لهذا الأدب الشعبي أهمية كبيرة ، إذ يخلد و يورث بطولات و أسماء قادة ، و ملاحم و مواقف ، فتصبح جزء أصيل من تاريخ الأمة يتوارثه الأجيال . و لا يرتبط الأدب الشعبي بلغة ، إذ تجده متوارث باللغة الدارجة ، و تجده متوارث باللغة الرسمية أو الفصحي ، فالأدب الشعبي يحمل في طياته كل ما أنتجه الانسان و خلفه من آثار أدبية . و كثيرة هي أنواع الأدب الشعبي ، فمنها المثل الشعبي ، و المثل هو جملة بلاغية موجزة منغمة تحمل بين ثناياها حكمة الجماعة ، هدفها تعليمي بالدرجة الأولي . و القصص الشعبي ، الذي قد لا يُعرف قائله أو منتجه ، فهو يصبح من انتاج و ابداع المجتمع ، الذي يقوم ببث كل أخلاقه و معتقداته انطلاقًا من افراز مثل هذا النوع من الأدب . فنجد داخل هذه الحكايات روح الشعب ، فمن خلالها يمكن أن نؤرخ للعديد من نواحي الحياة و جوانبها الثرية . و من أبرز أنواع الأدب الشعبي النكتة ، فالانسان الشعبي استطاع بروحه المرحة أن ينتج عددًا هائلًا من النكات ، و النكتة نتاج أدبي أصيل يكاد يندثر تحت وطأة قسوة الحياة و المعيشة ، و ثقل الهموم اليومية علي كاهل المجتمع ككل . عليه فإن الأدب الشعبي يصبح وسيلة مهمة للتعبير عن المشاعر و التجارب و المعاناة الجماعية ، إذ يعكس صمود الشعوب ، و قدراتها علي التحمل و التصميم في مواجهة الصعاب . و تعد الحروب من أكثر الأحداث التي تؤثر في الأدب و الثقافة الشعبية ، فخلال فترات الحرب ، يشهد الأدب تغيرات هائلة تتراوح بين تطور الأساليب الأدبية ، و تغير القيم و المعتقدات الثقافية للشعوب ، فيصبح الأدب وسيلة للتعبير عن الصراعات و الانتقادات للأحداث السياسية و الاجتماعية التي تحدث خلال الحروب . و لعل ما نشاهده الآن علي شاشات القنوات الإخبارية الفضائية من مشاهد الحرب الغاشمة التي يشنها جيش الاحتلال الصهيوني علي قطاع غزة خاصة ، و علي فلسطين المحتلة عامة ، لهو خير نموذج للحرب و الصراع الذي تولد عنه الكثير من المواقف ، و البطولات ، و الأسماء ، و الأمثلة ، التي شئنا أو أبينا ، بفضل النقل الحي و البث المباشر ، و مقاطع الڤيديو التي تتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي ، أصبحت من أدبيات شعوبنا العربية ، خاصة الصادقة في مشاعرها و مواقفها المعلنة ، بعيدًا عن مواقف و سلوك اداراتها الرسمية . علي مدي ما يقرب من الثلاثة أشهر ، نري و نسمع و نتداول ، صور و ڤيديوهات تجسد آلام و معاناة شعب قطاع غزة ، و علي التوازي نري و نسمع و نتداول ، صور و مقاطع ڤيديو تجسد بطولات أفراد المقاومة الفلسطينية الباسلة ، أعزها الله و نصرها . فعلي سبيل المثال لا الحصر ، و في المقام الأول نظرًا لمما سببته لي أنا شخصيًا من ألم لا يوصف أذكر .. " روح الروح " .. ، تلك الكلمات التي شيع بها الشيخ المكلوم ابنته ذات الأربع سنوات من عمرها الوردي القصير ، إلا أنه بات طويل و خالد في عقول و أذهان مخلصي الأمة قاطبة ، خُلد الموقف في مقطع ڤيديو ، كما خلدته آلاف الصور و الرسومات ، التي تفنن رساموا الأمة في ابداعها و بالتالي تخليد الموقف ، فصارت أيقونة ، و صارت مثل يضرب " روح الروح " . و إن كانت " روح الروح " أثرت فيّ معنويًا ممثلة معاناة شعب ، فإن ما أثر فيّ معنويًا ممثل في روح و بطولة المقاومة .. " ولعت " .. تلك الصيحة التي اقشعر لها بدني الآن و أنا أكتب عنها ، و هي الصيحة التي أطلقها هذا المقاوم الأسد بملابسه العادية البسيطة ، حين أطلق قذيفة تجاه دبابة من دبابات العدو المحتل ، فأشعلتها و ارتفعت نيرانها لعنان السماء ، فإذا به يطير فرحًا و اعجاباًو نصرًا مطلقًا صيحته الخالدة .. " ولعت " .. فخُلد أيضًا هذا المشهد في صور و رسومات تعد بالآلاف .. و هذا المثلث الأحمر أصبح علامة مسجلة بإسم أبطال المقاومة ، فمتي ظهر أتي بالنصر المبين ، فأينما وقع بصرك عليه تشاهد تدمير دبابة ، أو آلية من آليات العدو ، أو جندي أو مجموعة جنود من جنود العدو ، و هو أو و هي تحترق و تدمر و تشتعل نارًا . و هذا صوت رنان نسمعه من .." الملثم " .. صاحب الشخصية المؤثرة الأولي في العالم الآن ، بات " الملثم " أو " أبو عبيدة " علامة مسجلة يفتخر بها كل عربي حر ، حريص علي نصرة أخيه أينما كان ، كل التحية لذلك البطل " الملثم " الخالد .. و أمل علي الصعيد العالمي ، نجد تلك الأغنية السويدية الشهيرة ، و التي اجتاح صداها كل الحدود و المسافات كموجة تسونامي عابرة للقارات ، فسمعها العدو قبل الصديق ، و رددها كل حر علي ظهر هذا الكوكب ، و إن لم يفهم لغتها ، حتي ترجمت فصارت عالقة في الأذهان ، و باتت مرتبطة بالحدث و سجلت بحروف و ايقاع من نور في تاريخ الانسانية . و أخيراً و ليس آخرًا .. " حلل يا دويري " .. صيحة أخري أطلقها هذا المجاهد المقاوم أثناء قيامه باحدي عمليات المقاومة ، مخاطبًا المحلل العسكري ، الذي يقوم بتحليل و شرح بطولات المقاومة ، و انكسار و هزيمة و فشل و هلع العدو الصهيوني ، فبات فرحًا كل منهما ، المقاوم البطل و المحلل المخلص الصادق النية .. و نختم بمقولة " الملثم " .. " و إنه لجهاد نصر أو استشهاد " .. كل هذا و أكثر بكثير ، شكل وعي جيل جديد ، و عزز الوحدة الوطنية ، و ساهم في بناء هوية قومية عربية جديدة ، فإن الأبيات الشعرية التي سطرها الشعراء ، و الرسومات الفنية التي أبدعها الرسامون ، و كلمات الأغاني التي لحنها و تغني بها المغنون ، لهي مثال حي نعيشه و نسطره و نخلده في أدبيات أمتنا العربية ، سوف تتوارثها الأجيال في شكل قصص و حكاوي نقصها علي أحفادنا عن بطولات ، و آلام ، و صمود شعب في مواجهة جريمة إبادة جماعية علي مرأي و مسمع حكومات تدعي زورًا و بهتانًا أنها راعية للسلام و الديموقراطية و حقوق الانسان و المساواة .. يجب علينا أن ندرك أن الأدب الشعبي في فترات الحروب يرتكز علي التواصل الشفهي ، و نقل التراث الشعبي من جيل إلي جيل ، يجب أن يتناول الناس قصصهم و أغانيهم و أساطيرهم في المجتمعات المتضررة من الحرب ، فهذا من شأنه تعزيز الوعي الوطني و تجديد الروح الوطنية في وجه التحديات المستعرة .

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

 
Get new posts by email: