فى ظل الثورة التكنولوجية التي نعيشها فى هذا الزمان من وسائل التواصل الإجتماعى نشعر بالحنين لأيام التواصل الإجتماعى الحقيقى، الذى كان يجمعنا بحق وبصدق وبحب حينما كنا نجتمع فى البيت الكبير يوم الجمعة على مأدبة واحدة وتعلو الضحكات الصافية والخارجه من القلب والتعليقات المباشرة الممزوجة بالسعادة ومودة اللقاء والشوق الشديد كى يأتى يوم الجمعة الذى يليه حتى تجتمع الصحبة الصالحة مرة أخرى، ويتجدد هذا اللقاء فى البيت الكبير.
الأن أصبحت وسائل التواصل الإجتماعى هى وسائل للتقاطع الإجتماعى، ويكتفى الكثيرون بتقديم واجب العزاء التهنئة فى المناسبات و المعايدة فى الأعياد و المجاملة فى المواقف عبر وسائل التواصل الإجتماعى فقط.
أين تلك الأيام الخالدة التى كانت تميز مجتمعنا الشرقى عامة و المصرى خاصة حين كنا نرى أبناء البيت الواحد والشارع الواحد والحي الواحد فى جميع المناسبات والمواقف والأعياد على قلب رجل واحد، حتى الحاضرون من خارجهم لا يعلمون الإخوة الأشقاء من غيرهم لأن الجميع أنصهر فى بوتقة واحدة يقدم يد العون والمساعدة بحب وإخلاص. ليت تلك الأيام تعود مرة أخرى ونستغل وسائل التواصل الإجتماعى فى الدعوة للتجمع من جديد فى البيت الكبير وفى الأفراح وفى الأعياد والمناسبات، نجعلها وسائل لسرعة التلاقى لا التباعد و نستغلها فى أن نكون مع بعضنا البعض مجتمعين لا متفرقين وصدق الله العظيم حيث قال فى كتابه الكريم ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ).
نعم إن وسائل التواصل الإجتماعى يجب أن تستخدم فى تقوية أواصر المحبة والعلاقات الأسرية والإنسانية وصلة الرحم بين أبناء المجتمع، ولعلنا نعيش هذه الأيام مع صدمة إنسانية هزت كل الشعب المصرى على وجه الخصوص، وهى فاجعة وفاة الممثل الشاب "هيثم أحمد ذكى"، والذى تجسد وفاته مأساة إنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى لما عبر عنه الممثل الراحل فى الحوارات التلفزيونية التي أجريت معه قبل وفاته، حينما ذكر أنه يعانى من الوحدة والعزلة لعدم وجود أحد يتواصل معه بشكل مباشر من الأسرة.
والدليل على ذلك ما ذكره الدكتور محمد المهدي، أستاذ الطب النفسي، على ما أثير عن الحالة النفسية السيئة للفنان الراحل هيثم أحمد زكي، في الأيام الأخيرة وهل الوحدة قاتلة أم لا، وقال المهدي، إن الوحدة من الممكن أن تؤدي للموت، متابعاً: "الوحدة قاتلة بلا أدنى شك، وكلمة قاتلة ليست مجازية لكنها قاتلة علميا".
كما أن إحدى الدراسات الحديثة أثبتت أن الذين يعانون من وحدة لفترات طويلة تزيد عن 4 سنوات تزيد نسبة وفاتهم المبكرة بنسبة 30% وتزيد نسبة الإصابة بارتفاع ضغط القلب وجلطات القلب والسكتات الدماغية بنسبة 29%، كما يضطرب جهاز المناعة لديهم بنسبة عالية جدا، كما تزيد لديهم قابلية لالتهابات واضطراب القولون العصبي والإصابة بالاكتئاب والقلق والإصابة بالسرطان بنسبة كبيرة، خصوصا إن لم يكن الشخص انطوائيا من الأساس.
وأكد الطبيب على أن الفنان الراحل هيثم أحمد زكي تسببت عدة عوامل في التأثير بحالته، مثل وفاة جدته لأنها كانت الراعي الرئيسي والمباشر له، بسبب انشغال والده الدائم، "والدته فنانة لفترة وبعدين ظروف المرض وبعدين وفاة والده ووالدته بمرض خطير، كل الذكريات المؤلمة دي في وجود الوحدة رسخت في وعية تأثير بالغ".
واستشهد الدكتور المهدى على أن التواصل المباشر أهم مدللا بما رأى عليه الممثل الراحل بقوله "شوفت لهيثم أحاديث أكتر من مرة وكنت خايف جدا، لأنه وهو بيتكلم كان بيبتسم لكن الابتسامة تحتها ألم شديد، وكان وحيد وسط الزحام، والناس بتبقى فاهمة إن دا فنان والناس حواليه من المعجبين والمعجبات بالآلاف لكن الزحام دا بيبقى ملوش أي قيمة وبتنتهي حياته وحيد وهيثم مكنش فيه حد جنبه".
وأشار المهدي فى نهاية كلامه إلى أنه قابل الفنان الراحل أحمد زكي بأحد فنادق القاهرة ووجده حزينا للغاية، موضحا أنه عاش فترة كبيرة في فنادق القاهرة حتى يجد من يتحدث إليه. أرأيتم كيف أن وسائل التواصل الإجتماعى الحقيقة تكون فى اللقاءات المباشرة أفضل ألف مرة من وسائل التواصل عبر شبكة الإنترنت و الاكتفاء بالإعجاب والتعليقات ومشاركة المنشورات فضلاً عما سببته تلك الوسائل من تفرقة أفراد الأسرة الواحدة، فبعد أن كان الجميع يجتمع على مأدبة واحدة أو متابعة برنامج معين أو مشاهدة مبارة فى كرة القدم أو مشاهدة أحد الأفلام أو المسلسلات أصبح كل من فى البيت يمسك بالجهاز الخاص به وينطوي معه في إحدى زوايا أو أركان البيت ولا يعلم عن بقية أفراد الأسرة أى شئ وإذا أراد منهم أمرا كتبه لهم عبر تطبيقات المراسلات التى تجمعهم. فإذا كنا نود العودة إلى أيام الزمن الجميل مرة أخرى فلنقف مع أنفسنا وقفة صادقة ونسأل هل نريدها وسائل تواصل تجمعنا أم نريدها وسائل تقاطع تنهى على مابقى من مشاعرنا الصادقة التى خلقنا الله وولدنا بها على الفطرة كما قال الله تعالى فى كتابه الكريم ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ) وفسر ذلك قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ( تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم ; فإن صلة الرحم محبة في الأهل ، مثراة في المال ، منسأة في الأثر.) وفي النهاية فهى دعوة للجميع من أجل العودة إلى دفئ الأسرة وإلى أحضان البيت الكبير فيا ترى من يقبل تلك الدعوة ؟؟؟