أخبار متعلقة :
أستاذ تاريخ قديم : بلاد بونت أهم المحاور الاقتصادية والدينية في مصر القديمة.. و البخور
أكد الدكتور السيد محفوظ، أستاذ التاريخ القديم والآثار بكلية الآداب جامعة الكويت، أن بلاد بونت مثلت أحد أهم المحاور الاقتصادية والدينية في مصر القديمة خلال عصر الدولة الحديثة، لما وفرته من البخور الذي لا غنى عنه في الشعائر الدينية والجنائزية، واصفا إياه بـ«بترول العالم القديم». وأوضح خلال ندوة نظمتها جمعية الآثار بالإسكندرية برئاسة الدكتورة منى حجاج، أستاذ الآثار اليونانية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، تحت عنوان «أرض بلاد بونت في عصر الدولة الحديثة»، أن الاهتمام العلمي ببلاد بونت بدأ مع رواد البحث الأثري مثل أوجست ماربيت باشا وإدوارد نافيل وهربرت وينلوك، مشيرًا إلى أن الدافع الأساسي للمصري القديم كان الحصول على البخور، الذي احتاجت إليه جميع الشعوب القديمة، غير أن المصريين اعتمدوا عليه بصورة خاصة في الطقوس الدينية والجنائزية بكميات ضخمة. وأكد أن هذا الاهتمام بلغ ذروته في عهد الملكة حتشبسوت، التي تُعد من أقوى حكام مصر رجالًا ونساءً، حيث أصدرت أمرًا ملكيًا صريحًا باستكشاف طريق بلاد بونت بهدف إحضار أشجار البخور، بجذورها لزراعتها في مصر وضمان استمرار إمداد المعابد بالمواد المقدسة. وأشار محفوظ إلى أن بعثة حتشبسوت خلدت في مناظر معبد الدير البحري، التي تمثل أوضح سجل مصور لبلاد بونت، إذ تظهر طبيعة البلاد وسكانها ومساكنهم ووسائل النقل البحري، إضافة إلى مشاهد تحميل أشجار البخور. كما لفت إلى أن تصوير بلاد بونت لم يقتصر على الدير البحري، بل امتد إلى مناظر مقابر الأفراد في عصر الدولة الحديثة، بما يعكس حضور بونت في الوعي الديني والاقتصادي للمجتمع المصري القديم. وتناول محفوظ إشكالية الدولة الوسطى المتمثلة في وجود مملكة كرمه المناوئة للدولة الفرعونية، وسيطرتها على النوبة العليا منذ العصر المتوسط الأول، ما أدى إلى قطع الطريق النهري التقليدي الواصل بين مصر والنوبة. ونتيجة لذلك، لجأ ملوك الدولة الوسطى إلى الالتفاف حول نفوذ كرمه عبر إرسال بعثات بحرية تنطلق من مرسى وادي جواسيس على ساحل البحر الأحمر، لعبور البحر في طريق بديل نحو بلاد بونت. ومع مطلع الدولة الحديثة، بدأت الحملات العسكرية المصرية للقضاء على مملكة كرمه وإنهاء نفوذها في النوبة، حتى انتهى أمرها في عهد حتشبسوت، التي نجحت في إعادة فتح المسار النهري المؤدي إلى بلاد بونت. وأضاف أن النفوذ المصري امتد بعد ذلك حتى أبو حمد والجندل الرابع، الذي مثل نقطة تبادل تجاري بين الموظفين المصريين وسكان المناطق الجنوبية، وهو ما تؤكده مناظر المقابر ونصوص حكام أسوان، إلى جانب نص حنتو المرتبط بطريق الحمامات، واكتشافات وادي جواسيس من نقوش وصناديق بضائع مدون عليها أسماء موظفين مصريين مثل عنخو، بما يعكس التنظيم الإداري الدقيق للبعثات. واستعرض محفوظ تفاصيل الرحلة الشاقة التي خاضها المصريون للوصول إلى بلاد بونت، حيث كانوا يتركون طريق النيل السهل، ويعبرون الصحراء الشرقية محمّلين بالبضائع والسفن المفككة، ثم يعيدون تركيب السفن في مرسى وادي جواسيس للإبحار عبر البحر الأحمر وتياراته العاتية، قبل العودة من الطريق نفسه، ونقل البضائع في صناديق خشبية وأجولة سهلة الحمل، ثم تفكيك السفن مجددًا وعبور الصحراء إلى وادي النيل، ليواصلوا الإبحار شمالا نحو العاصمة إتِت تاوي. وتطرق إلى البعد الديني والأسطوري لبلاد بونت، مشيرًا إلى لوحة سايس من العصر المتأخر، التي ربطت بين فيضان نهر النيل وسقوط الأمطار على جبل بونت، حيث صُوِّر الإله حابي، رب الفيضان، وهو يخرج من مقره السري قادما من أرض بونت، واهبا الحياة للمقاطعات الجنوبية، في تعبير رمزي يعكس تصور المصري القديم لبونت بوصفها أرض الخصب ومصدر الحياة والرخاء.