صديقي القارئ! من اقرب الأصدقاء إلي قلبك؟ لا اريد بالطبع أن أكلفك بإرسال اسمه، ولكن ابتسم إن كانت لديك إجابة لهذا السؤال.
كان الهدف من سؤالي أن أثير عاطفة الصداقة في قلبك وقصدت هدفاً ابعد من ذلك هو: أن تعلم أن الصداقة تُقام أيضاً بطرق اخرى، أصعب ما فيها ان تحاول حصرها، ربما تصاحب كتاب، قط، كلب، كُرة، أو كرسي المقهى .. «ممكن فنجان القهوة نفسه» ، او تكون عميقاً بعض الشيء فتصاحب مدينة وتقع في حبها، هذا ما وقعت فيه وكان دافعي لكتابة هذا المقال.
سوف تتفق معي عندما اخبرك ان صاحبة هذا الدلال هي مدينة الإسكندرية،هل قمت بزيارتها من قبل؟ ربما اجابتك ان «تهز» رأسك عمودياً بـ نعم، ويا لك من صاحب حظ، أو «تهزها» أفقياً بـ لا، و هنا انصحك بترتيب زيارة قريبة في وقت ما، وأخيراً ربما تقرأ المقال الآن من أحد بيوت الإسكندرية الدافئة.
كم كنت محظوظاً أن احتضنتني هذه المدينة فترة ما، وتمتعت بكل تفصيلة مرت بي أو مررت بها، والغريب انها كانت جميلة كلها، حتى التفاصيل الصعبة كان منها درساً مهماً: «الولاء مثلا»، تجده بكثره على المقاهي الشعبية عندما تذاع مباريات الإتحاد السكندري «سيد البلد» ترى الإخلاص المشاب بالتعصب وتكون مغلوب على امرك أن تكتم فرحتك اذا احرز فريقك في مرمى الإتحاد.
ترى «الحضارة» تتخلل كل ركن من أركان قلعة قايتباي والمسرح الروماني وقصر الملك فاروق الذي يشبه القطع الفنية، كما قال ابن الملك فاروق «احمد فؤاد» «القصور هي رمز عظمة المملكة» ... وغير ذلك ولكني اكتب من واقع التجربة.
وتجربة اخري علمتني أن «اعظم الروائح» تعرفت عليها في شوارع الإسكندرية: رائحة ما بعد المطر، رائحة البحر، رائحة كتب محطة الرمل، رائحة صالات السينما، رائحة مقهى البورصة، رائحة «دوكو تاكسي اسكندرية» ، رائحة اسماك قدّورة، وفول «العم زغلول» ، و «حلوى الصعيدي وحسنين» ، ورائحة الخواجة في كبار السن، وكل ما يصلح ان يُحفر في الأذهان له رائحة فريدة .
لقد سمعناهم يقولون «للرجل الحق في اختيار الباب الذي يدخل منه الضيوف» .. أرى في الإسكندرية انها ذلك الباب الذي يدخلك إلى غرفة واسعة «شيك» مليئة بالتحف الفنية تجعلك تقول فوراً ان عبقرياً يعيش هنا، «راجع: قصر الملك، سان ستيفانو، مكتبة الإسكندرية، الجامعة، الترام، الطراز الأوروبي لكثير من البنايات، والكثير ... والأهم راجع: البحر» ، هنا حيث تعلقت الروح.
سمعتهم ايضاً يقولون «المحظوظ من يستطيع عناق من يحب»، وعلى هذه القاعدة فكيف لي أن اعانق هذه المدينة بأطرافها البعيدة؟ فكر معي لحظة! ... أليس المشي بين احضانها عناق؟ والمشي من احضانها حرمان من لياليها الدافئة؟ ألا تفكر في زيارة قريبة؟ ...