الدكتور أندرية زكي :أغلب ما يعانيه العالم من صراعات أثرت على الأوضاع الأمنية واستقرار الدول

الدكتور أندرية زكي :أغلب ما يعانيه العالم من صراعات أثرت على الأوضاع الأمنية واستقرار الدول
الدكتور أندرية زكي :أغلب ما يعانيه العالم من صراعات أثرت على الأوضاع الأمنية واستقرار الدول

 

 

 

نظمت اليوم الهيئة القبطية الانجيلية للخدمات الاجتماعية مؤتمر " معا نحو مواجهة خطاب الكراهية" برعاية الدكتور أندرية زكي رئيس الهيئة القبطية الانجيلية.

وذلك بحضور الدكتور نَظيرْ عَيَّادْ، مُفتِي الجُمهُورِيَّةِ، ورئيسُ الأمانةِ العامَّةِ لدُورِ وهيئاتِ الإفتاءِ في العالَم ونيافَةَ الأنبَا ميخائيلْ، أسقُفْ حلوانْ والمعصَرَةْ، والممثِّلُ عنْ قداسةِ البابا في هَذَا اللقاءِ ووسيمْ حدَّادْ، ممثِّلُ مركزِ الحوارِ العالميّ .

وجاءت كلمة الدكتو أندرية زكي : أرحِّبُ بحضَرَاتِكُم جميعًا، في هَذَا اللقَاءِ الهَامِّ، الذِي يتنَاوَلُ قضِيَّةً مِحوَرِيَّةً في قضَايَا العَصَرِ الرَّاهِنِ، وهي قَضيَّةٌ ذاتَ بُعدٍ عالَمِيّ؛ إذْ إنَّ أغلَبَ مَا يُعانِيهِ العالمُ منْ صِرَاعاتٍ أثَّرتْ على تَرَدِّي الأوضاعِ الأمنيَّةِ وزعزَعَةِ استقرارِ عددٍ منَ الدُّوَلِ، وأثَّرَتْ بالسَّلْبِ على الأوضاعِ الاقتصاديَّةِ ومُستَوَى التنميةِ... كلُّ هذهِ القضايا وأكثرْ تَعودُ جُذورُهَا إلى نَوعٍ أو آخَرَ منْ خطابِ الكراهِيَةْ. فإنْ كانَ خطابُ الكراهِيَةِ بهذهِ الخطورةِ وهذا التأثيرْ، فهُوَ منْ أُوْلَى الأَوْلَوِيَّاتِ في الدِّراسةِ والمعالَجَةِ لإدراكِ تداعياتِهِ وتأثيراتِهِ ومعرفةِ سُبُلِ مُواجَهَتِهْ.

التعريفْ

وتعريفُ المُصطَلَحِ هو الخُطوةُ الأولَى للتعامُلِ مَعَ أبعادِهِ ودراستِهِ، لهَذَا مِنَ المهمِّ أولًا أنْ نعرِفَ ماذا يَعنِي خِطابُ الكراهيةِ وما أبعادُهْ.

لخطابِ الكراهيةِ عدَّةُ تعريفاتٍ؛ فتُعرِّفُهُ استراتيجيَّةُ الأمَمِ المتَّحِدَةِ وخطَّةُ عمَلِهَا بشأنِ خِطابِ الكراهيةِ بأنَّهُ "أيُّ نوعٍ منَ التواصُلِ الشَّفَهِيِّ أو الكِتابيِّ أو السُّلُوكِيّ، الذي يهاجِمُ أو يستخدِمُ لغةً ازدرائيَّةً أو تمييزيَّةً بالإشارةِ إلى شخصٍ أو مجموعةٍ على أساسِ الهُوِيَّةْ، وبعبارةٍ أخرى، على أساسِ الدينِ، أو الانتماءِ الإثْنِيِّ، أو الجنسيَّةِ، أو العِرْقِ، أو اللوْنِ، أو النَّسَبِ، أو النَّوعِ الاجتماعيّ، أو أحدِ العواملِ الأخرى المُحدِّدةِ للهُويَّةْ".

ويعتقدُ البعضُ أنَّ خطابَ الكراهيةِ يتكوَّنُ مِنْ عُنصرَيْن؛ العُنصُرُ الأوَّلُ هو الكراهيةْ، وهيَ مشاعرُ قويَّةٌ وغيرُ عقلانيةٍ تنمُّ عنِ ازدراءٍ وبُغضٍ تُجاهَ مجموعةٍ مُستَهدَفةٍ أو فردٍ مُستهدَفٍ بسببِ خصائصَ معيَّنةٍ فعليَّةٍ أو مُتَصَوَّرة؛ والعنصرُ الثاني هو الخطابُ، وهو تعبيرٌ يُفصِحُ عنْ آراءَ أو أفكارٍ تمييزيةٍ انفعاليَّة.

وعلى هذا الأساسِ، أصبحَ واقعُ عالَمِنَا المعاصرِ يعانِي من انتِشارِ خطابِ الكراهيةِ بينَ أتباعِ الثقافاتِ والانتماءاتِ المختلفةِ بشكلٍ واضحٍ ومتزايدْ.

أسبابُ خطابِ الكراهية

1. اختلاطُ المفاهيم

في قضيَّةِ خطابِ الكراهية، يُوجَدُ خيطٌ رفيعٌ بينَ حريةِ التعبيرِ عنِ الرأيِ وخطابِ الكراهية؛ فحُرِّيَّةُ التعبيرِ هي حقٌّ أساسيٌّ من حقوقِ الإنسانْ. لكنَّ هذا الحقَّ لا يمتدُّ إلى التحريضِ على الآخرِ أو الازدراءِ بإيمانِهِ الدينيِّ أو وصمِهِ، ولا يَعنِي الحقَّ في ممارسةِ العنفِ اللفظيِّ ورفضِ الآخرِ واستبعادِه.

وربَّما المتابعُ لِمَا يدورُ على الساحةِ العالميةِ يجدُ أنَّ حالةَ الحوارِ تشهدُ نوعًا منَ الاستقطابِ تعزِّزُهُ وسائلُ التكنولوجيا الحديثةُ، والتواصلُ الاجتماعيُّ، تحتَ ستارِ حريةِ التعبيرِ عنِ الرأيْ، وهو ما يؤدِّي إلى تهديدِ حالةِ التماسكِ المجتمعيِّ وزعزعةِ استقرارِ المجتمعاتْ. واختلاطُ المفاهيمِ هنا يؤذِي حريَّةَ التعبيرِ ذاتَهَا.

لهذهِ الأسبابِ نستطيعُ أنْ نشيرَ إلى الفرقِ الواضحِ بينَ حريةِ التعبيرِ عنِ الرأيِ منْ جانبٍ، وخطابِ الكراهيةِ منْ جانبٍ آخرْ.

2. غيابُ الوعيِ

وهذا يَنتُجُ في الأساسِ منْ مشاكلَ في التربيةِ الأسريَّةِ التي تعزِّزُ الكراهيةَ وعدمَ قبولِ الآخرْ، وقد ينتُجُ أيضًا منَ التأثُّرِ ببعضِ الأفرادِ، وكذلك قد يؤدِّي إليهِ خطابٌ دينيٌّ متطرفٌ يُغَيِّبُ وعيَ المستمعِ ويكوِّنُ لديهِ تصوراتٍ غيرَ صحيحةٍ عنِ الآخرِ الدينيِّ تثيرُ لديهِ مشاعرَ الكراهيةِ والبُغْضِ. والخطوةُ المهمَّةُ في هذا الشأنِ هيَ الحرصُ منَ القياداتِ الدينيةِ على دعمِ مفاهيمِ التسامحِ وقبولِ الآخرْ، واحترامِ الأديانِ والمعتقداتِ الأخرى، ومواجهةِ أيِّ خطابٍ متطرِّفْ.

3. غيابُ الرَّدْعِ القانونيّ

فبعضُ الدولِ لمْ تَصِلْ بعدُ إلى سياقٍ تشريعيٍّ وقانونيٍّ لمواجهةِ خطابِ الكراهيةِ والعنفِ اللفظيّ. وتختلطُ فيها المفاهيمُ كما أشَرْنا ما بينَ حريَّةِ التعبيرِ عنِ الرأيِ، وازدراءِ عقائدِ الآخرينَ والتحريضِ على العنفِ ضدَّهُمْ.

خطابُ الكراهيةِ والعنفُ

العنفُ هو أحدُ النتائجِ الملحوظةِ والحتميةِ لخطابِ الكراهية. ومفهومُ العنفِ ليسَ مقتصرًا على الإيذاءِ الجسديّ، بل يمتدُّ ليشملَ كافةَ أنواعِ الإيذاءِ للآخرينَ، جسديًّا، أو نفسيًّا، أو لفظيًّا. وبهذا يشتملُ العنفُ على التهديدِ والابتزازِ والتنمرِ والازدراءِ، الذي يُوجَّه إلى أيِّ إنسانٍ بناءً على انتمائِهِ الفكريِّ أو الدينيِّ أو الجِنْدَريِّ أو أيٍّ من هذهِ الانتماءاتْ.

وبناءً على هذا يُمكِنُنَا تعريفُ خطابِ الكراهيةِ أيضًا بأنَّه نوعٌ منَ العنفِ اللفظيّ، الذي قد يمتدُّ إلى عنفٍ بدنيٍّ ويهدِّدُ السِّلْمَ المجتمعيَّ والاستقرارْ.

المُواجَهَةْ

ولعلَّ هذا المؤتمرَ هو أحدُ الآلياتِ المهمَّةِ في مواجهةِ خطابِ الكراهية؛ إذ يعبِّرُ عن تكاتُفِ الجهودِ والشَّرَاكَاتِ المثمرةِ بينَ مُختَلَفِ المؤسَّساتِ، ويمتدُّ إلى تشكيلِ مجموعاتِ عملٍ لدراسةِ القضيةِ من جوانبِهَا المتعدِّدة وأطرافِهَا الفاعِلَةْ:

1. التعليم: والتساؤلاتُ هنا حولَ بَعضِ المناهجِ التعليميةِ، وحولَ بيئةِ التعليمِ نفسِها، هل تدعمُ المناهجُ الدراسيةُ مواجهةَ خطابِ الكراهيةِ؟ وماذا يمكنُ أنْ تقدِّمَ المناهجُ في هذا الصددِ؟ وكيفَ تتحوَّلُ المدرسةُ إلى بيئةٍ تطبيقيةٍ وساحةٍ للممارسةِ العمليةِ للتوعيةِ بالتسامحِ والعيشِ المُشتَرَكِ.

2. الإعلام: والإعلامُ هنا يشملُ كافةَ المنصَّاتِ التي تُستَخدَمُ لنشرِ المعلومةِ والتعبيرِ عنِ الرأيِ، وأهمُّهَا وسائلُ التواصلِ الاجتماعيّ، التي قد تؤدِّي إلى استفحالِ خطابِ الكراهيةِ وانتشارِهِ، وخروجِ نتائجِهِ عن السيطرةْ. لكنَّ هذهِ الأدواتِ والآلياتِ نفسَهَا تستطيعُ نشرَ خطابٍ متسامحٍ يواجهُ الكراهيةَ ويدعَمُ السِّلْمَ المجتمعيَّ والتماسُكَ واحترامَ الآخرِ والعيشَ المُشتَرَكْ. فكيفُ يمكنُ للمُعطَيَاتِ الحديثةِ منْ أدواتِ التواصلِ الاجتماعيِّ وتطبيقاتِ الذكاءِ الاصطناعيِّ أنْ تساعِدَ في هذهِ القضيَّةِ.

3. القوانينُ والتشريعات: فالاهتمامُ بالتشريعاتِ والقوانينِ التي تواجِهُ خطابَ الكراهيةِ والحرصَ على تطبيقِهَا، هو أحدُ الطرقِ المهمَّةِ لحصارِ خطابِ الكراهيةِ وتقويضِهْ.

وختامًا، فإنَّ أيَّ جَهْدٍ تنمويٍّ يستهدفُ تحسينَ حياةِ المواطنينَ ورفعَ المستوياتِ المعيشيةِ والتمكينَ والدمجَ، وأيَّ جَهدٍ في مجالِ الحوارِ والتبادلِ المعرفيِّ، يجبُ أنْ ينطَلِقَ أولًا من السِّلْمِ المجتمعيّ، وهذا لنْ يتحقَّقَ إلا بمواجَهَةِ خطابِ الكراهيةِ، فالعنفُ الناتجُ عنِ الكراهيةِ يمكنُهُ تدميرُ كلِّ مُكتَسَبَاتِ التنميةِ ونسفُ كلِّ جهودِ الحوارِ، لكنَّ الوصولَ إلى أرضيَّةٍ مُشتَرَكَةٍ وبناءَ الجسورِ يستطيعُ أن يدفَعَ كلَّ هذهِ المجهوداتِ إلى الأمامِ لتؤتيَ ثمارًا مُضاعَفَة.

كما تضمن المؤتمر عدة جلسات منفصلة خاصة بالاعلام والتعليم والتشريع وتم عمل مجموعة من التوصيات انهت إليها الجلسات .

 

 

 

 

 

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق التسامح وقبول الآخر بالكنيسة الإنجيلية بالربعماية
التالى تدشين مؤسسة إنسانيات للتنمية مشروع إنساني شامل لتمكين الإنسان وبناء المستقبل

معلومات الكاتب

 
Get new posts by email: